أيتّها اللغة… عانقيني!.

350

يقولُ الشوقُ كلامًا أبديًّا

أسمعهُ يردّدُ أغنيةً غريبةً:

” لمْ يعدْ للمكانِ هنا مكانٌ لنا أيّها البردُ

لمْ يعدْ آدمُ يغازلُ حوّاءَ…”

أسمعهُ

بدميَ الذي يتشابكُ معَ نسيجِ النسائمِ الشتائيّ

بجلدي الذي يختلجُ ويهتزُّ في زمهريرهِ الحيِّ. 

يصرخُ، يعانقُ نفسَهُ كسكرانٍ يأتي آخرَ الليل:   

“يا لغتي التي تتغطى في حروفها الأيائلُ

أيتها الأبجديةُ الدافئةُ

الملمومةُ كعاريةٍ فاتنةٍ أنضجَها حمّامٌ ساخنٌ   

يلوّعني هذا البعدُ المراوغُ عنْ خرائطِ العُريِ فيكِ     

يكويني ثلجُ الوقتِ أكثرَ مما ينبغي

يا لغتي التي تسهرُ نعسانةً في غيابيَ

لمْ يعدْ للمكانِ مكانٌ لنا ها هنا …”

يصنعُ الشوقُ مائدةً دسيمةً مِنَ كلماتِ الجوعِ السرمديّة

ويقولُها واحدةً واحدةً ويلحّنُها

بقيثاراتهِ المتأرجحةِ داخلَ شرايينِ الكونِ

أعني شرايينيَ الساهرة أبدًا

أسمعهُ بمفاصليَ الشديدةِ الذكاء والحسّاسةِ جدًا

يهرّجُ يثرثرُ بصلواتٍ جديدةٍ:

” أيتها اللغةُ يا سيّدتي

يا سيدةَ السمواتِ والأرض

امنحيني فراغَ الحُبِّ وكيمياءَ شعوركِ

المتحوّلِ إلى ذَهَبٍ أبديٍّ

زوّديني مِنْ سنائكِ العتيقِ المطرّزِ بأنوثةِ الشمسِ.

أيتها الملكةُ الجافّةُ الطباعِ  

 يا وجعًا يتجدّدُ كلَّ لحظةٍ

عانقيني بأريحيةٍ خاليةٍ مِنْ هَوسِ الفراق

كما تعانقينَ الهاويةَ السحيقةَ التي تحفرُ صدري

أنا العاشقُ المتيّمُ

أنا الوَلوعُ بجَمالِ نيرانِكِ البعيدةِ الصوتِ”     

ينسج الشوقُ جيوشًا لانهائيةً

مِنْ حنينِ الأجسادِ الأثيريّةِ إلى نفسِها

وينثرُ شقشقته الشريدةَ في كلِّ بدايةٍ

وفي كلِّ مُنحنىً ولا ينتهي…   

عبدالله زهير

اللوحة للفنان ضياء العزاوي