بعضهم رأى فيها نشاطاً تخريبياً… «المتعة في القراءة»… ثلاثة وأربعون كاتباً في استكشافهم لها

kidReading[1]

صحيفة الوسط البحرينية – العدد 4781 – السبت 10 أكتوبر 2015م الموافق 26 ذي الحجة 1436هـ

جعفر الجمري

 

للفيلسوف والناقد الأدبي، الدلالي، والمنظِّر الاجتماعي الفرنسي، رولان بارت عبارة قريبة من ذلك، في كتاب حمل عنوان «لذة النص»، في استقصائه للآلية التي يتمكَّن من خلالها النص بعث تلك اللذة واحتواءها، وصولاً إلى القارئ.

بين «لذة النص»، و «المتعة في القراءة»، علاقة عضوية. يمكن الوقوف على ذلك بوضوح وتفصيل أكثر في «نظرية استقبال النص»، تلك التي قعَّدت لهذه المسألة قبل نحو أربعة عقود أو تزيد.

عبارة وعنوان «لذة النص»، تعني عند بارت قيمة قديمة. من الشاعر والكاتب والمخرج المسرحي الألماني، برتولت بريخت، اكتشف بارت تلك اللذة التي منحه إياها.

في عرْض الأمور المُجرَّدة، يحضر الملل. بارت يأمل من النص الذي من المفترض به أن يشيع اللذة، الخروج من الأمور المُجرَّدة تلك إلى مستوى منحها جسداً مُغْرياً، ولا يتحقق ذلك إلا بالأمثلة الذكية، والاستشهادات المليئة بالتلميح والفطنة. في القراءة يحدث ذلك أيضاً إذا ما توافرت تلك الشروط في ما نستقبل ونقرأ.

«المتعة في القراءة: ثلاثة وأربعون كاتباً في استكشاف القراءة»، من تحرير الكاتبة أنطونيا فريزر، استعرضه مارتن روبين، في صحيفة «واشنطن تايمز»، يوم الأحد (27 سبتمبر 2015)، هنا أهم ما جاء في الاستعراض.

يجب أن نكون ممتنِّين لأنطونيا فريزر لمنحنا هذه المجموعة من ذوي البصيرة من الكتَّاب، تُخبرنا بالمُتَع الخاصة التي وجدوها في القراءة. على رغم أن المجموعة تبدو للوهلة الأولى، بريطانية محْضة، وهي تُبلغنا أن «البلدان التي صدرت منها الشهادات حول القراءة، تشمل كندا والصين وأيرلندا والهند ونيوزيلندا ونيجيريا وسورية وروديسيا الجنوبية (زمبابوي حالياً)، وحتى ألمانيا خلال ثلاثينيات القرن الماضي، لثلاثة وأربعين من الكتَّاب الذين تتجاوز أعمار بعضهم خمسة وثمانين عاماً».

بيات… والقراءة في السرير

حتماً، سيذهب الناس أولاً إلى المؤلفين المفضَّلين لديهم في هذا الكتاب، ولكن أينما ولَّيت وجهك ستجد هنالك وفرة من الكنوز. براين مور يغبط المعلمين الذين لا روح استلهام لديهم، ويعني أولئك الذين عملوا في مدرسته الأيرلندية الداخلية؛ لأنهم بوضعيتهم تلك، جعلوه يتعلَّم عن ظهر قلب الشعر الرائع لوليام شكسبير، ولكن قراءة جيمس جويس، وإرنست همنغواي، من تلقاء نفسه جعلته على اتصال مع العالم الأوسع، وأيقظ فيه حسَّاً بالكاتب القابع فيه.

أيه. إس. بيات تُخبرنا أنها «قضت الكثير من طفولتها تقرأ في السرير. كانت من ذوي الاحتياجات الخاصة، وكانت مغبوطة لأن معاناتها من مرض الربو الحادّ أتاح لها مثل تلك الفرصة، والذي لم يُتِح لها فقط فرصة التقارب مع الكاتب الذي ظل طريح الفراش: مارسيل بروست؛ ولكن أتاح لها أيضاً صقْل القوى الخيالية التي وظَّفتْها، وكان لها تأثير كبير في ما أنجزت من أعمال.

يُذكر، أن مارسيل بروست، وُلد بالقرب من العاصمة الفرنسية (باريس)، في العام 1871 لعائلة غنية، ودرس القانون والأدب. جعلتْه ارتباطاته الاجتماعية يرتاد غرف الضيوف الفخمة لدى النبلاء. قام بكتابة عدد من المقالات للصحف الباريسية. نشر أيضاً القصص مثل «المتع والأيام» (1896). عانى من مرض الربو منذ طفولته، وأصبح مُبتعداً عن المجتمع مع حلول العام 1897، بعدما ازدادت حالته الصحية سوءاً. كما أثَّرت وفاة والدته في العام 1905على جعله أكثر ميلاً والتصاقاً بالعزلة.

نقف أيضاً على تجربة المحامي والروائي البريطاني السير جون مورتيمر، الذي اشتهر بعمله «رامبول أوف ذي بايلي»، الذي كان على التصاق بالكتب المُستعملة، والتي يشعر معها بالارتياح والانسجام، يوم أن كان طالباً في المدرسة الإعدادية الداخلية. كان يعتقد أنه بحاجة إلى رِفْقة «تحمَّلت في المدرسة الشعور بالوحدة التي جعلت حياتي وكأنني الطفل الوحيد في ما كان يعرف آنذاك بالريف البعيد الذي يبدو أكثر ازدحاماً».

الكتب ليست ترفاً… إنها ضرورة

هو نفسه كتب ذات مرَّة: «الكتب ليست ترفاً، بل هي ضرورة. أنا في حاجة ماسَّة كي أسكن عالماً آخر، بعيداً عن المهاجع الباردة، وغُرف تغيير الملابس القاتمة التي تفوح منها روائح الأحذية الرياضية القذرة، وخدر الضجر الذي يتأتَّى من الألعاب الإلكترونية الممنهجة. أردت الأكثر إشراقاً والأكثر ميْلاً إلى المغامرة، أردت عالماً أكثر تسلية وأكثر أناقة. قبل كل شيء أريد أن أكون بطلاً، وهو ما كنت بالتأكيد لأحققه في شمال ملاعب أكسفورد». وما يتعلق بمورتيمر، هو الأمر نفسه لدى كثيرين ممن تضمَّنتهم صفحات هذا الكتاب، فالكتب تمثل فرصاً وتطلعات، وقدوة وأمثلة مضادَّة أيضاً.

يُشار إلى أن مورتيمر، درس في جامعة أكسفورد، ونشط على المستويين الحقوقي والسياسي، وعُرف عنه التزامه بتأييد حزب العمَّال الذي كان عضواً فيه، وعرفه الجمهور البريطاني عبر إنتاجه الروائي الغزير، وظهوره شبه المستمر على شاشة التلفزيون في برامج النقاشات الجادَّة والدردشات الفنية على السواء.

المؤلفون وشخصياتهم تُعرض بشكل منفصل في الكتاب، ولكل جانب قدْره من الأهمية من حيث التدرُّج الذي يمنحه كل جانب، بالطموح الذي تكتنز به التجربة: أن تكون كاتباً ولكن أيضاً أن تكون أنواعاً مُتعدّدة من الناس وُجِدت في الكتب، تكون في كثير من الأحيان غائبة عن محيط الحياة الحقيقية. الطبيعة المتناقضة جِدُّ واضحة لدى الأطفال؛ لأنهم يعملون على تنميتها، ولا يتركون فرصة تحول بينهم وبين الاحتكاك بالحدود المضادة لبيئتهم. هو أمر واضح في التناول لدى كثير من الكتَّاب في هذا الإصدار. كاتبة الغموض والأسرار، روث ريندل، تنص على ذلك صراحة بالقول: «لم أرغب أبداً أن أقرأ شيئاً أراد والداي أن أقرأه» كانت بطبيعتها تقرأ الكتابات المُوجَّهة للبالغين، ومع حبِّها لقراءة الأساطير؛ سواء اليونانية الكلاسيكية أو النرويجية. أيه. إس. بيات نفسها غير صبورة مع أدب الأطفال: «كان الأطفال من الأمور التي لم تعجبني، على رغم أنني قرأت الكثير عنهم، ولأن من طبيعتي القراءة بشكل سريع جداً؛ إلا أنني لم أكن أحب أن أكون طفلة، ولا أحب أن أكون في الحال التخيلية للأطفال». دوريس ليسينغ تقول عن نفسها: «بدأت القراءة وأنا في السابعة من عمري. تُرَافق تلك القراءة علبة من السجائر». لكنها تمضي لتقديم ما يشبه الأنشودة العاطفية، حين تتذكَّر كيف كانت الكتب نسقها الحقيقي للتعليم: «لأنني تركت المدرسة عندما كان عمري أربعة عشر عاماً، وانقطعت عن الدراسة قبل أن تتشكَّل الكلمة لديَّ، فقد علَّمت نفسي وربَّيْتها من خلال القراءة».

القراءة: نشاط تخريبي

بالنسبة إلى بعض الكتَّاب في الإصدار، كانت القراءة – واقعاً – بمثابة نشاط تخريبي مُميَّز. جيرمين غرير تُعلن بفخر أن «القراءة كان إثمها الانفرادي (وتقود إلى غيرها من الآثام). في أيرلندا الريفية، قالت والدة إدنا أوبراين عنها: «فنانة هي، وأؤمن بحقها في كراهيتها للكتب، ولاسيما كتب الخيال المُنفِّرة، اعتقاداً منها بأنها حافلة بالخطيئة. لم تكن هنالك مكتبة عامة في قريتنا، ولكن كنت في حالة حب مع الكتابة قبل أن أحيط بها. أو ما قبل الحب إذا أردتِ». وكانت والدة جانيت وينترسون، عدائية تجاه حب ابنتها للكتب «المشكلة مع الكتب».

وقالت: «الأمر يتحدَّد في أنكِ لا تعرفين ما الذي يدور في خلْدهم إلا بعد فوات الأوان»، وهذا ما جعلها توافق على عمل ابنتها في مكتبة عامة. «لأنها تحسب أنني لن أتمكَّن من القراءة والعمل في الوقت نفسه. وأعتقد أيضاً أنها أعربت عن أملها بأنها لمجرد كونها محاطة بالكتب، فإن في ذلك علاجاً لي من هواجسي تجاه الكتب».