نهاية اللعبة”: بيكيت بالعربية مُجدّداً
مشهد من المسرحية بإخراج آلان فرانسون (باريس / 2013)
-
سارة عابدين
30 سبتمبر 2015،جريدة العربي الجديد
كتب صامويل بيكيت في خطاب إلى صديقه المؤرّخ الفني جورج دوثويت: “كما ترى يا صديقى القديم جورج، لقد كنتُ على حق في عدم الكتابة إليك. أنا لا أعرف إلى أين أنا ذاهب، لستُ بالشخص الذى يتحرّك. هناك شيء يصل إلى نهايته، وهذه المرّة لا أرى شيئاً يحلّ محلّه. لا تعتقد أنني أشكو. أشكو من أن شيئاً ينتهي، أو من أن شيئاً لا يبدأ”.
قد تكون هذه الرسالة انعكاساً لروح شخصيات مسرحيته “نهاية اللعبة”، التي صدرت مؤخّراً عن “منشورات الجمل”، بترجمة الشاعر بول شاؤول.
المسرحية من فصل واحد يصفها مترجمها في مقدمته: “إنه فصل مكثّف ومتوتّر ومختزل، شخصياته يحرّكها بيكيت بمهارة وقدرة فائقة، كما يحرّك اللاعب الماهر حجارة الشطرنج، يضبطها بلا استرسال، كما حدث في “في انتظار غودو”، مسرحيته الأشهر”.
في “نهاية اللعبة” أربع شخصيات تعيش بعيدة عن الحياة في غرفة مغلقة ذات نوافذ مرتفعة، عالم لا يتحرّك ولا تحدث فيه أو له أي تغيّرات، شخصيات لا تملّ من تكرار حواراتها من دون معنى أو هدف، من دون حتى أن تكمل جملها، ضمن العبثية التي تبنّاها بيكت في كتاباته.
هناك شخصيتا نيل وناغ العاجزتان عن الحركة، والدا الشخصية الثالثة هام الذي يحبسهما في صندوق قمامة بهدف تعذيبهما أو الثأر منهما.
رغم ذلك، فإن هام نفسه أعمى ولا يتحرّك، جالس على كرسيه المتحرّك وسط الغرفة يتحكّم في الآخرين. أمّا الشخصية الرابعة، فهي كلوف القادر على الحركة والعاجز عن الجلوس لعلّة في ساقيه، وهو خادم هام ومنفّذ تعليماته وأفكاره.
يبدو من الحوارات المقتضبة بين الأبطال أن محدودية الخيارات تفرض عليهم البقاء دون حركة أو تغيير، وتجبرهم على أن يظلّوا معاً، وكأن وجود كل منهم في حياة الآخر قدَر لا مفر منه، فلا وجود لأي فرص لأشكال أخرى من الحياة. يسأل هام: لماذا تبقى معي؟ فيجيب كلوف: ليس هناك شخص آخر، ليس هناك مكان آخر.
حوارات مقطوعة لا تكتمل تخرج من موضوع إلى آخر، وكأن الأبطال أموات يتحاورون بين القبور، وكل العلاقات بينهم وفقاً للمترجم “هي علاقات موتى بموتى”، حتى علاقة الابن بوالديه الأسيرين علاقة عبثية عجيبة.
في أحد المشاهد، يأمر هام كلوف أن يطبِق الغطاء عليهما، وفي مشهد معاكس ينادي على والده مرتين: “أبي.. أبي”، وكأنه يريد أن يطمئن لوجوده وصوته وسط كل هذا العبث والفراغ، حتى لو كان هو من حبسه في صندوق القمامة ومنع عنه كل شيء، منع عنه الطعام والشراب، بل ومن الاستسلام لحنين الذكريات.
ثمّة عبارة ترد على لسان إحدى الشخصيات: “التعاسة هي أكثر ما يُضحك في هذا العالم، نضحك منها، نضحك منها بملء قلوبنا، في البداية، لكنها تبقى دائماً كما هي، تشبه الحكاية الجميلة التي نسمعها باستمرار، نجدها باستمرار جيّدة، لكن من دون أن تُضحكنا”. هذا ما يصل إليه القارئ بعد أن يفرغ من لعبة بيكيت المريرة، لينصرف إلى لعبته هو وكيف ينهيها.