” وصف ماريا ” لسحبان مروّة

 

sa7ban

يشكّل الحب محور ديوان سحبان مروّة الأخير “وصف ماريا” الصادر عن “دار النهضة العربية”. هذا ما نستشفّه من العنوان أولاً، ومن الإهداء ثانياً: “إلى فيكي زماناً لا يموت”.
يبدأ الشاعر غزله إلى غائبة متوجّهاً إليها بعبارة “معشوقتي”، ثمّ يناديها بضمير المخاطب: “تتعرّين”. سرعان ما تصبح الحبيبة معلومة في قصيدة “وصف ماريا”، إنها “فقط ماريا”. كأنه بتسميتها استحوذ عليها كلياً: “ماريتي أنا الواحد”. ثم ينتقل من “سأصف ماريا” إلى “ها أنذا قد وصفت ماريا ها أنذا أصف ماريا”، فيصفها ويختتم القصيدة بـ: “ها أنا ذا أصف ماريا ها أنا ذا قد وصفت ماريا”. وكأنه يُثبت أمام نفسه وأمام القارئ أنه وفيّ بما وعد به من وصف في العنوان. ثم يعود إلى تجهيل حبيبته مثلما بدأ قصائده، فيناديها باعتبارها مخاطَبةً تارةً وغائبةً طوراً. كما لو أنّ حبيبته المجهولة الاسم هي ماريا التي يخفيها في طيّات “يا حبيبتي”، ليُبقي احتمال بلوغ حبيبات أخريات قائماً.
كيف وصف الشاعر ماريا؟ يلج عالمها بكثير من الحسّية بعدما “طلع عليه جسد ماريا على سريرها كشهيد يدخل الجنّة”. ينحدر بخطيئة الرغبة نزولاً ويصرخ: “الجسد يريد ماريا”. لكنّ هذا الجموح الشبقي سرعان ما يتصفّى، وتخرج من داخل الحسي عذريةٌ ما: “في نهديك قداسة الأيقونات”. وكأنّ الحبيبة قد نقلت إلى حبيبها عدوى “قداستها”، إذ يقول: “هي القديسة فوقي والكتب المقدّسة تحتي”. هذّبت حبّه ولجمته، وإن ظلّ يتغزّل بنهديها. يذكّرنا غزله بالغزل التقليدي، وخصوصاً قوله: “جسدك عربة حلاوة وجمال وهما جوادان أمام العربة والحلمة تتغطرس كجندي إنكشاري يواكب الأميرة”، الذي يتداخل بعض الشيء مع قول قباني: “لم تبقَ زاوية بجسم جميلة إلا ومرّت فوقها عرباتي”.
كما الحب الصوفي، يتشفّف الجسد في نظر شاعرنا ليغدو “هياكل نور”. وعليه، فإنّ الجماع بين الحبيبين هو “الجماع الأثير”. يتوحّدان بإزالة الحدود الفاصلة بين جسديهما من جهة، وبين الجسد والروح من جهة ثانية: “جسدها جسد روحي”. لكن لا شيء نهائياً عند الشاعر، إذ يعود إلى سابق عهده من شهوانية تنقض ما بناه من صوفية كما في قوله: “صار فجر: فجر ترقرق بين أربع أفخاذ وعانتين التصقتا وتشابكتا وترطبتا ككلبين أسودين في ساحة الضيعة في صباح مطر في صباح لحم وعظام”.
ثم ينتقل من وصف نهدَي الحبيبة إلى وصف وجهها: “وجه ماريا حقل قمح. وجه ماريا رفيف أجنحة بيضاء. وجه ماريا طفل يلعب بالنار ويضحك”. كأنها تنتمي إلى عالم آخر، عالم البراءة والطفولة الذي يحاول حبيبها مجاراتها فيه: “وجه ماريا طيارة ورقية ملوّنة كأثواب غجرية وأنا سماء وحبّي صبي يمسك بالخيط في مملكة الطفولة”. إلى أن يقول ما يناقض الطفولة والدين معاً: “وجه ماريا مريم عارية وسط هالاتها على قوس الشتاء في وسط السماء. وجه ماريا مسيح يستسلم كله لا قدمه لمريم الخاطئة”.

ثم يخلص إلى أنّ “وجه ماريا ماريا”، الوجه هو ماريا، وماريا هي الوجه.
لا يخفى أنّ المنحى الذي يتّبعه مروّة في وصف ماريا هو نفسه الذي يبدأ به قصائده الأولى، فيقول: “تتعرّين أمامي”، مع ابقاء بعض الروحانية: “حبيبتي مطر يغسل وجه الشمس”. وهو نفسه الذي يختتم به الديوان، من غزل إباحي: “يا حبيبة ترويني ظلّي هكذا طريق حرير جسداً مثل كون مكتمل…ومؤخرة تغمز الشباك أحياناً”. ثم يناقض ما قاله حين ينادي حبيبته: “يا حبيبة نبعها روحي”، ولكن ليس إلى وقت طويل، إذ إنه لا يستطيع التخلّص نهائياً من رغبته: “أصبّ لهاثي مثل العصير في كأس نشوتك الصادحة”. ليعود فيجمع الحسي بالروحي في تصالح بينهما: “جسدك الاستوائي راحة نفسي”.
للرموز الدينية حضور قوي في قصائد مروة، وإن كان يعدّل فيها بما يتلاءم وغاياته الشعرية. فقد زعم أنه مضى لمقابلة الله، فوجد المجدلية “بألف شيطان”، فيما كان بطرس “مشغولاً بشواء الديك”. هذا بالإضافة إلى تضمين بعض القصائد عبارات من الإنجيل: “إلهي لِمَ شبقتني”، و”سلام عليكِ يوم أحببتك ويوم أعلن حبي قدام الرب فيسرّ بي وينصب قلبي جرساً على باب الجنّة”. لا يخفى ما يعلنه أيضاً من تسامح ديني عبر مساواته بين المسيحية والإسلام. ففي فصل “السِنيورة والتوركو”، تحلم السِنيورة دولثينا بعدما أهدى اليها حسن سبحةً، بـ”خريستو وقد طرد السراسانيين، التوركو أولاد الحرام الذين يدنّسون أرضه المقدّسة وخصوصاً كنيسة القيامة”. فيقابلها حسن الذي يحلم بـ”توظيف الربح في بندقية لكي يطرد حاملها العدوّ القذر الذي يدنّس الأرض المقدّسة وتحديداً المسجد الأقصى”. هكذا تسير الأديان جنباً إلى جنب في طريق التوحّد. ثم يعيدنا مروّة إلى سفر التكوين حيث يؤدي دور آدم مع حبيبته حواء: “كان يوم وكان يوم آخر وكان حسناً جداً فجاءت حبيبتي وجئت أنا. جئنا معاً كما لو كنّا نحلم معاً، نمشي في حلم معاً، عاريين نمشي في حلم معاً”. إلا أنّ الشاعر يسرف في تعديلاته الدينية فنراه يخاطب الله: “كأسك يا الله”. ثم يتحدث معه عن “كيفية استخراج السكر من البندورة”.
تحفل القصائد بالتكرار، وهو في الغالب ثلاثي للتأكيد. قد يكون حرفياً: “تلك الموسيقى تلك الموسيقى تلك الموسيقى”. وقد يشكّل لازمة تُفتتح بها القصائد، كما في: “دعيني يا حبيبتي أسند رأسي إلى نهديك” التي تتكرر ست عشرة مرة. كما يدخل التكرار في لعبة الصوت والصدى: “كنت كالنبات البري… البري كان حبيبي أخضر العينين… أخضر العينين كانت عيناه كالدين… الدين”. هكذا هي قصيدة “لوح” بكاملها.
ولا يخلو الديوان من أخطاء طباعية: “هذا الصلصال المشوي لحماً وعظاماً وأعصاب”، “يجتمع القراصنة فيجدوا”، “كان الشاهد عمود يسندني”.

ماريا الهاشم
النهار- 18 مايو 2009

من مؤلفات سحبان مروة:

  • “وصف ماريا”
  • “حكايات لا حمل لها بين الأعراب”
  • “نوادر المُلا نصر الدين الصغري”
  • “رسائل ابن عربي”
  • “ترجمة للملحمة الفنلندية (كالنيغالا)”.
  • دفتر الوجع
  • سمر الأخوان
  • ليالي الياسمين
  • الغزل الهندي
  • ” قداس جنائزي” صدر بعد وفاته[3]