العمل الثقافي والجهد المهدور في هواء الذوات المنتفخة

Gemälde Portrait of an Artist von David Hockney

عبدالله زهير

لا أدعي أنني أكثر خبرة ودراية من الآخرين في ممارسة العمل الأدبي والثقافي، ولكن الجميع يعرف أن المجال الثقافي، أشخاصاً ومؤسساتٍ، فيه ما يكفيه من البلاءات والأمراض والمساوئ.علي حرب كان على حق تماماً حين هاجم جموع المثقفين، فاضحاً أغلب سوءاتهم وأوهامهم في كتابه (أوهام النخبة) منذ أكثر من عشرين عاماً. كنت أظن أنه يتجنى عليهم، إلا أنني بعد طول التجربة والاحتكاك والمراس عرفت أننا فعلاً كائنات لا تُطاق على حد وصف الكبير قاسم حداد.بعد سنوات من هذا النشاط الثقافي ستكتشف أنك كنت عبثاً تهدر وقتك وجهدك، ناهيك عن الصحة المشتراة بأغلى الأثمان، من أجل أناس يبدون غير عابئين بما تقوم به.

***

في احتكاكي بأشخاص ينتمون لهذا القطاع لاحظت بشكل فاقع سلوكيات تنم عن تضخم ذوات أوغلت بعيداً في نفج ريشها المقدّس. لقد عاشت أوهاماً راسخةً بما يكفي أن تسمح لنفسها أن تعامل الآخرين بفوقية ونرجسية قد لا تتناسبان وما بلغه مستواها من الناحيتين الفنية والمقروئية، أو من الناحيتين النوعية والكمية.إلامَ وعلامَ هذا وأنت لم تصل بعد إلى الحدّ الأدنى الذي قد يعذرك فيه البعض ؟!يا أخي تواضع قليلاً! وإن كنت أظن أنه ليس ثمة كاتب كبير مقابل كاتب صغير.هناك دائماً نص كبير قبال نص صغير، بصرف النظر عن مدى انتشاره ومقروئيته.والزمن غربال يكنس النصوص الرديئة في مزبلته الواسعة.

***

أقول هذا وها أنذا قد أصابني ديسك الظهر جرّاء كثرة الجلوس على الكمبيوتر. لا أشخصن الأشياء، غير أنني في خضم ممارسة النشاط الثقافي بمختلف تجلياته سواءً في المشاريع الكتابية والندواتية، أشعر أحياناً أنني أعمل مع أشخاص ومؤسسات لا تستحق كل هذا العناء والمكابدة، خاصة حينما يقوم العمل بإبرازهم إلى الضوء، وإتاحة المساحة الكافية لهم. تمثيلاً لا حصراً، أتذكر أنني في ذروة انهماكي بالبدء في ملف “المشهد الشعري في البحرين”(نُشر في مجلة بيت الشعر في المغرب، وكذلك في مجلة كناية الإلكترونية، ويُصار إلى تطويره ليُطبع ويُنشر في كتاب أنطولوجي قريباً)، كنت قد أرسلتُ إلى أحد الشعراء المتنافجين طالباً منه بأدب جم أن يتفضل بكتابة شهادة حول تجربته الشعرية ورأيه في الحراك الشعري في البحرين، فلم يكلِّف نفسه حتى بالردّ سلباً أو إيجاباً، اعتذاراً أو قبولاً… وفي المقابل جاءني منفوج ريش آخر، بعد نشر الملف في مجلة بيت الشعر في المغرب، حينما لم ير اسمه ضمن كاتبي الشهادات حول تجربتهم، وكال لي سيلا منهمرا من الاتهامات، أولها تهميشه وعدم احترام تجربته الكبيرة والعميقة! وليس آخرها اتهامي بالتحيز والشللية وسواهما، ثم قام بحظري على التطبيقات ومقاطعتي..وَهَلُمَّ جَرّاً كما تقول العرب.

ملاحظة:

عطفا على المقال السابق الذي أثار ردود فعل متباينة، ومن بينها التشجيع على الانخراط في العمل الثقافي والأدبي وعدم التأثر بالمواقف المختلفة.

أريد هنا أن أقول نقطة مهمة: ثمة فرق بين اشتغال المبدع على مشروعه الخاص وبين اشتغاله في العمل الثقافي والأدبي(إنشاء المنتديات وتنظيم الفعاليات والندوات ..إلخ..)

الأول من المفترض أن لا يتوقف بحال من الأحوال.

الثاني ممكن إيقافه، لم لا ؟!لست مجبورا ككاتب على الاستمرار فيه إن كان محدود الجدوى معنويا وماديا، خاصة من قبل الحقل المعني، أقصد الحقل الثقافي بمؤسساته وأشخاصه.

على سبيل المثال: لست مجبورا على إنشاء وتدشين منتدى ثقافي أو أدبي أعمل فيه بشكل فردي أو شبه فردي بلا عوائد مادية أو رمزية. وها نحن نرى الفضاء الواقعي والافتراضي قد ضاق من تزاحم المنتديات والأندية والفعاليات والأماسي. وغالبية هذه الكيانات تشتغل بالطريقة نفسها شبه الفردية والتطوعية المجانية.

١٦أحمد رضي، Abbas Abdulla و١٤ شخصًا آخرتعليقانأعجبنيتعليقمشاركة