المغرب يعانق البحرين… في «بيت الشِعر»
- جريدة الأخبار اللبننانية
- آداب وفنون
- عبد الرحيم الخصار-المغرب
- الخميس 1 نيسان 2021
ضمّ العدد حواراً مع الشاعر قاسم حداد توقّف فيه عند تجربة السجن والعمل السياسيالرباط | اختار «بيت الشعر في المغرب» أن يحتفي بالشعر المعاصر في البحرين، عبر إفراد ملفّ كبير من مجلته الفصلية «البيت» لتقديم دراسات وشهادات عن التجربة الشعرية البحرينية الراهنة، مع نماذج عديدة من النصوص التي وضعت المتلقي أمام صورة موسّعة وواضحة عما يقع في الأراضي الشعرية في هذا البلد العربي الذي يبدو بعيداً جغرافياً عن المغرب، لكنه قريب منه ثقافياً على نحو كبير. جاء العدد الجديد من مجلة «البيت»، التي يرأس تحريرها الناقد خالد بلقاسم، في 450 صفحة، وأخذ ملف الشعر البحريني الحيز الأوفر، إذ خصّصت له هيئة تحرير المجلة أكثر من 300 صفحة. ويبدو هذا الرقم دليلاً كافياً على تقدير «بيت الشعر» للتجربة الأدبية في البحرين، وعلى الرغبة الدائمة في الإصغاء إلى تجارب البلدان العربية الأخرى والتفاعل معها.
كانت المادة الأولى ضمن هذا الملف للشاعر عبدالله زهير، وحملت عنوان «الشعر المعاصر في البحرين. مآزقه، طموحاته، مآله». أعقبتها شهادة لعلوي الهاشمي بعنوان «لي طريقتي، ولكم الآن طريقتكم»، ودراسة لجعفر حسن بعنوان «خريطة ضالة لمشهد حاضر»، ومقالات لكريم رضى وأحمد العجمي وأحمد رضي، وحسين بوصفوان حملت العناوين التالية: «تحولات كائن الشعر»، «ما لا أمسك به»، «الشعر، المتسكّع الأبدي في المدينة»، «ليس بالإمكان أن نتلف أكثر».
أما قسم النصوص الإبداعية، فقد ضمّ أعمالاً عديدة لـ 67 شاعراً وشاعرة، وهو رقم كبير يخوّل لهذا الملف أن يصدر في كتاب أنطولوجي. ومن بين الأسماء الشعرية المشاركة في هذه الأنطولوجيا: قاسم حداد، علي الشرقاوي، يعقوب المحرقي، إيمان أسيري، فاطمة التيتون، فضيلة الموسوي، فاطمة محسن، بروين حبيب، مهدي سليمان، منى الصفار، عبدالله زهير، صلاح كايد، جمانة القصب وغيرهم من الأسماء المعروفة في الأوساط الثقافية العربية أو الأقل تداولاً، والتي تمثل تقريباً أربعة أجيال شعرية في البحرين.
في دراسة موضوعية لجعفر حسن، قدّم قراءة كرونولوجية توقّف من خلالها عند أهم نقاط تحول الشعر في البحرين، وأشار إلى ظاهرة تراجع بعض التجارب الريادية عن التجديد، وعودتها إلى الشعر الكلاسيكي، أو نزوحها نحو شعر العامية، أو التوقف النهائي عن الكتابة، ما خلّف ما يشبه القطيعة بين الشعراء المؤسّسين للحداثة في البحرين وبين الأجيال الجديدة التي انفتحت على شكل الكتابة في ما يشبه اليتم الشعري. ولمّح جعفر إلى ضرورة اهتمام النقد بالأسماء الجديدة ومواكبته لها حتى تراوح مناطق الظّل.
وفي مقاله «تحولات كائن الشعر»، ذكّر كريم رضي بتحذير قاسم حداد للشعراء في البحرين من الوقوع في «البحرنة» أو «الخلجنة»، مؤكداً على ضرورة الانفتاح بالكتابة على العالَم خارج كل تضييق قطري. وانطلق كريم من جيل الآباء المؤسسين للحداثة في البحرين خلال سنوات السبعينيات ليصل إلى شعراء الجيل الأحدث أو من سمّاهم «شعراء الألفية الثالثة» محاولاً التوقف عند نقاط الالتقاء والاختلاف بين هذه الأجيال المتعاقبة.
عدد خاص يمرّ على جيل الآباء المؤسّسين للحداثة ليصل إلى «شعراء الألفية الثالثة»
وقد ضمّ ملف الشعر البحريني حواراً مطولاً ومهماً مع الشاعر قاسم حداد أجراه معه الشاعر حسن نجمي مدير مجلة «البيت»، وعاد فيه إلى أجزاء متقطّعة من سيرته، متوقفاً عن تجربة السجن وتجربة العمل السياسي، وبداياته الشعرية ومشاركته في تأسيس أسرة أدباء البحرين ومجلة «كلمات» وموقع «جهة الشعر». كما استعاد علاقته بأمين صالح، ومرحلة إصدارات البيانات الشعرية، كما تحدث عن مزاوجته في الكتابة بين قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر.
تأسف حدّاد للوضع الحالي الذي يعيشه العالم برمّته: «كتبتُ شعراً كثيراً، وربما أكثر من اللازم، وتقدمت في السنّ بقدر لا بأس به من الهزائم والإخفاقات… ولعل ضريبة الحياة الطويلة أن نعيش هذا التدهور الإنساني حدّ الحضيض. فهؤلاء لا يغدرون بأحلامنا فقط، ولكنهم أيضاً ينكّلون بنا وبكل أمل نتقاطع معه».
وعن سياق اختيار مجلة «البيت» لملف الشعر في البحرين، يقول الشاعر البحريني عبدالله زهير منسق الملف: «منذ ما يزيد عن سنتين، كنتُ أتواصل شخصياً وثقافياً مع رئيس «بيت الشعر» في المغرب الصديق والشاعر مراد القادري، وقبل ذلك كنتُ قد اطّلعتُ على مجموعة من أعداد مجلة «البيت»، وبأريحية وسخاوة معروفتين عن هذا الرجل النبيل أهداني مجموعة من الكتب الشعرية وأعداداً شبه كاملة من المجلة نفسها الصادرة عن هذه المؤسسة الشعرية المهمة. فقرأت في العدد 31 ملفّاً حول «راهن المشهد الشعري في السعودية»، ومن هنا اقترحتُ عليه فكرة التعريف بأوضاع الشعر في البحرين، من خلال إعداد ملف موسع يضم شهادات ومقالات لشعراء بحرينيين في اشتباك نقدي ورؤيوي ومعرفي مع المشهد الشعري البحريني، مرفَقاً بأنطولوجيا تغطي خمسة عقود تقريباً بضمّ كل الأسماء المهمة في خارطة الشعر في البحرين ومختارات لنصوصهم، مع التحرر من كل المُوجِّهات المؤسسية والاجتماعية غير الشعرية، إذ الموجِّه شعريٌّ خالص أو هكذا نظن. فأبدى رئيس البيت ترحيباً حارّاً بالفكرة تجسيداً لرؤية «بيت الشعر» في تعميق حيوية التواصل والتشابك والحوار بين الجغرافيات الشعرية العربية والعالمية. واقترح مشكوراً أن يشتمل العدد أيضاً على حوار مطوَّل مع الشاعر قاسم حداد، كمدخل إلى تفاصيل الحراك الشعري في هذا البلد الزاخر بالشعر».
سألنا عبدالله زهير إن كان الشعر البحريني يحظى بالتقدير اللازم في العالم العربي، فأكد لنا أن كل بلد في الجغرافيات العربية يحوي تجارب شعرية مهمة، لكنها قد تكون مغيَّبةً في الظلِّ، أو أنَّ مَنْ يتصدر المشهد غالباً يكونون من الشعراء المرفَّعين إعلامياً، والبحرين جزءٌ لا يتجزأ من هذا المشهد الشعري العربي المثقل بالظواهر والإشكاليات والأسئلة. وأضاف: «أظن أن الشعر في البحرين يحظى بتقدير جيِّد من قبل القارئ في العالم العربي، إذ لا شك في وجود مهتمين بكلّ مكان بقراءة التجارب البحرينية بتجرّد بعيداً عن الأحكام المسبقة. ومن هنا تأتي أهمية نشر هذا الملف في مجلة شعرية مغربية رصينة لها قُرّاء ومُتتبِّعون عربٌ وأجانب».
توجهنا إلى مراد القادري رئيس «بيت الشعر» في المغرب وسألناه عن سياق الاحتفاء بالشعر البحريني من لدن مؤسسة ثقافية مغربية، فأخبرنا أن هذا العدد هو «ثمرة إرادة مشتركة جمعتنا مع ثلّة من الأصدقاء الذين تطوّعوا مشكورين لإنجاز هذه القنطرة الشعرية والإنسانية التي يعبر فوقها اليوم المشرق والمغرب من أجل عناق شعري وثقافي يليق بتاريخ الصداقة التي تجمع البلدين والشعبين». وأضاف: «هذه الخطوة، تأتي ضمن سيرورة ثقافية وشعرية اعتمدها «بيت الشعر» في المغرب منذ مؤتمره الأخير، وتستهدف التعريف ومصافحة الشعريات العربية والإنسانية على بوابة مجلة «البيت» وهو ما عكسته ملفات مماثلة سابقة، عرّفت بالشعر السعودي والإسباني والبرازيلي».
نُقل من موقع الجريدة: