“عودة آدم” لعبد الرحيم الخصار: الولادة الجديدة
يكتب الخصار، (مواليد مدينة آسفي 1975)، بهدوءٍ تامّ عن رحلته/ رحلتنا، انطلاقاً من إغراءات العودة لا النزوح، تلك الرحلة التي ينسبها لآدم، ليس لاعتبارات أنه أبو البشريّة فحسب، إنما نظراً إلى البعد الرمزي لسيرته والتي تكادُ أن تتشابه مع سيرة الشاعر نفسه، ولما لهذه “الحكاية”، الخروج أو الطرد من “الجنّة”، من حيثيّاتٍ جماليّة وجوانب حميمة، يعمل الخصار على استحضارها وتدوينها شعراً.
“العودة”- هنا- بوصفها ولادة جديدة؛ مثلما طائر الفينيق ينهض من رماده الاسطوريّ، مُحلِّقَاً في فضاءات الرغبة والوصول المُحتم إلى الحلم المنشود، يقول: “أنا آدم/ أول رجل على هذه الأرض/ أومأ للشمس وناداها باسمها./ ربما دبّ غيري هنا/ لكني لم أجد أثرا/ لمن قدماه تشبهان قدميّ./ كان بمكنتي أن أبقى هناك/ لكن يدي طالت شرك التفاح/ ليست ريحا تلك التي عصفت/ بالأشجار حين نزلتُ/ إنها أنفاسي/ أنفاس رجل شلّ الندمُ قدميه”.
الشعريّة المباغتة
يزخر نصّ عبد الرحيم الخصار، من الناحية الأسلوبيّة، بعنصر المفاجأة؛ إذْ يكاد أن لا يخلو أي مقطع من كتابهِ هذا من جماليّاتِ هذه التقنيّة، وتحديداً في النهايات حيثُ بؤرة التوتر، جنباً إلى جنب مع تقنيّات أخرى تخصّ قصيدة النثر. ثمّة لغة انسيابيّة متجانسة على طول الصفحات، بينما جُملتهُ تبدو آليّة، عفويّة، تلقائيّة وبسيطة، أكثر من كونها أن تكون مُبهمة أو شديدة الجزالة، فيما القفلة أو الجملة الأخيرة تكون مباغتة، محقّقةً بذلك شرط الإدهاش.
من جهةٍ أخرى؛ نجد أنّه ثمّة تقاطع جليّ ما بينَ سيرة الشاعر مع السيرة المفترضة لآدم، حيثُ تتداخل السيرتان في مزجٍ إشكاليّ ومثير. السمة الحواريّة داخل النص، بدورها، أضفتْ مساحةً للتعرّف أكثر إلى كل ما يحاول الشاعر أن يقوله، سيما ذاك المقطع الذي يحاور فيه طائراً ما، هذه الحواريّة أزاح القناع عن وجه الشاعر، وجعله وجهاً لوجه أمام القارئ؛ “قلتُ للطائر الذي حطّ على مقربة مني:/ “إن الشفاه التي تبتسم في النهار/ تتحسر في الليل/ إن اليد التي تغدو موجا/ حين تلامس اليدَ الأخرى/ تتخشب حين تغيب/ إن الدمعة التي أسالها الفرح/ هي الدمعةُ التي سيُسيلها الحداد”./ قال الطائر:/ “هل تغنّي لي/ أم تغني لوحدتك؟”.
لعلّ اللافت في المقطع السابق، هي تلك النفحة الفانتازيّة في إيجاد كائن ما ومن ثمّ محاورته، لكن المفاجأة تكمن في القوّة الشِعريّة لذاك “الكائن/ الطائر” المصنوع من “الخيال” وحده، وكذلك تفوّقه على الشاعر نفسه.
الحنين إلى الملائكة
كتاب “عودة آدم”، والذي جاء في اثنتين وسبعين صفحة من القطع الوسط، هو الإصدار الأدبي السادس في رصيد عبد الرحيم الخصار، إذْ سُبِقَ له أن أصدر الكتب الشِعريّة التالية: “أخيراً وصل الشتاء” (2004)، “أنظر وأكتفي بالنظر” (2007)، “نيران صديقة” (2009)، و”بيت بعيد” (2013)؛ إضافةً لكتاب سردي بعنوان: “خريف فرجينيا، رحلات إلى أوروبا وأميركا” (2017).
في هذا الكتاب؛ يختبر الشاعر مهاراته اللغويّة أولاً في كتابة نصّ طويلٍ نوعاً ما وينجح في ذلك، فيما ينتظر تالياً ردة فعل القارئ، طالما يهيمن النمط القصير والقصير جداً لدى معظم التجارب الشِعريّة العربيّة الراهنة.
“ما زالت رائحة التراب في أنفي/ الحسرةُ أهرشها/ ما بين السّاعد والكتف/ أما عينايَ فيسيل منهما/ حنيني إلى الملائكة”.. يقول الشاعر.
(*): صدر حديثاً عن منشورات المتوسط (ميلانو- 2018).
https://www.almodon.com/culture/2018/4/30/%D8%B9%D9%88%D8%AF%D8%A9-%D8%A2%D8%AF%D9%85-%D9%84%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AD%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B5%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9