الشاعر البحريني عبد الله زهير: الشعر الذي لا يتبصّر قوة الأفكار وسلطة المعرفة استعراض لغوي فارغ

 

67794291_1205836609604673_5219297842111184896_n

جريدة القاهرة المصرية

 

( أجرى الحوار / الشاعر والصحفي جمال فتحي)

أصدر الشاعر البحريني عبد الله الزهير مجموعتين شعريتين هما” قمر يتخلق من مجهول” و” الخروج من مدائن القيامة” طبعت الأول الدار العربية للعلوم ، والثاني طبعته المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت وله ديوانان قيد الطبع وهو أحد أهم الأصوات الشعرية البحرينية الشابة فضلا عن كونه ناشطا ثقافيا تولى منصب السكرتير التنفيذي لأسرة الكتاب والأدباء البحرينية من فبراير2016لأبريل 2019 ، فضلا عن كتابته بانتظام لمقالات نقدية وأدبية لعدد من الجرائد والمجلات داخل وخارج البحرين.

•كيف ابتدأت لديك نواة الجنوح إلى هذا الشيء الغامض الذي يسمى الشعر؟

-ربما هي الحسينيات والمآتم المنتشرة في أحيائنا، حيث في طفولتي كانت أذني وحواسي كلها تتشرب قصائد النعي الحسينية ومدائح أهل البيت في المناسبات طوال أيام السنة منطلقة من أفواه الخطباء بأصواتهم الغليظة الشجية، و حيث كانت ترن في أذني هذه الأبيات التي يترنم بها الناعون بمقامات موسيقية مدروسة ومحسوبة كنت أهرع إلى المأتم مأخوذاً باللغة القوية وبالإيقاع الآسر في هذه النواعي وبمعانيها العميقة الحزن. أظن أن هذه هي البذور الأولى في الطفولة المبكرة لانجذابي نحو لغة الشعر وإيقاعاته، و قد أضيف لها مكونات البحر وكائناته المدهشة، حيث كان هذا البحر قريباً من بيتنا. ومن ثم قد كانت محاولات في قراءة الشعر العربي والأجنبي، في مرحلتي الإعدادية والثانوية، وهكذا كانت محاولات كتابة نصوص تعبر عما يجيش ويعتلج بدواخلنا وفي واقعنا من تجارب عصية على التعبير والنفاذ. وها نحن الآن ما نزال نحاول أن نشقَّ هذه الطريق المشوبة بالتحديات والأسئلة الشائكة…

•وما الذي أضافه الشعر لعبد الله زهير؟

-أعتبر الشعر فناً له قيمته العظيمة، وهو يتواشج مع الفنون الأدبية والتشكيلية والحركية في صنع واقع أجمل مما هو عليه. ولكن السؤال لا يكمن هنا، بل يكمن أولا في مفهوم الشعر لدى العقل الجمعي . بمعنى آخر، هل مفهوم الشعر متطور عند غالبية الناس وعند مؤسسات الثقافة والفن لدينا ؟ وهل هذا المفهوم إذا كان متخلفاً سيمتلك العناصر التي تؤهله لأن يشارك الفنون الأخرى في صنع واقع أدبي وفني وإنساني أفضل. أكاد أزعم أن الإجابة المتفائلة في هذا الصدد لا تحمل مصداقية كبيرة، وكذلك هي الإجابة المفرطة في التشاؤم. وأخشى أن أقول أننا نتخلف كل لحظة فيما لو ظننا أن الشعر مجرد كلام مرصوف واستعراض لغوي لا يتبصر أهمية قوة الأفكار وسلطة المعرفة والثقافة في نسيج كل فن يُراد له أن يُجاري المتغيرات الكونية الشاسعة والعميقة.

• وما هو تقييمك للمشهد الشعري في بلدك بشكل خاص وفي الوطن العربي بشكل عام؟

-لست في صدد إطلاق حكم عام على مشهد شعري كامل. ولا أحب أن أتسرع في إعطاء وصف نقدي من دون أن أتعمق وأتوسع في قراءته بشكل شامل. إذ هذا المشهد، سواء أكان في البحرين أم في الأقطار العربية، من التنوع والتعدد بحيث يستحيل النظر إليه بوصفه كتلة صماء، بنيةً ولغةً ورؤيةً وتياراتٍ. بل هو مشهد يميل إلى التشظي أكثر مما يميل نحو التكتل والالتئام. ولكنني أستشعر بحدسي الموغل في الاستبطان بأن ثمة نواقص وتحديات وإشكالات كبيرة تعترض هذا المشهد، خاصة ونحن نعيش عصراً تُجر فيه المواهب جراً من دون وعي إلى الوقوع في مطب الإعلام الاستهلاكي والشهرة الزائفة السريعة التلاشي والتبخر إذا كانت من دون عمل دؤوب ومثابر. فالموهبة ينبغي التعامل معها كما لو أنها جنين يحتاج إلى التخلق والنمو بهدوء و اطمئنان في رحم الحياة؛ حتى تكون مكتملة الأعضاء والمكونات، لا أن تستعجل الولادة من دون نمو ولا نضوج.

• حدثنا عن تجربتك مع النشر بعد مجموعتين ومثليهما في الطريق؟

– نشرتُ مجموعتين شعريتين : “قمر يتخلق من مجهول” و”الخروج من مدائن القيامة”، وهناك مجموعتان في طريقهما إلى الطباعة والنشر. ولا أخفي عليك أنه أحياناً تهجمُ عليَّ أسئلة وجودية حول جدوى الكتابة والنشر في مجال الشعر على وجه الخصوص، حيث الكل في كل مكان يُصور لك على أن غالبية الناس يعتقدون أن لا أحد في العالم يقرأ الشعر ويهتم به ، ولا ينفك يوم دون أن تقرأ في الصحافة الثقافية أدبيات “موت الشعر” و”موت الناقد” و” موت المؤلف”،،،، إلى آخرها من المصطلحات العدمية التي تكرس حالة اليأس والموات الشامل أكثر مما هي مكرسة في واقعنا آلاف المرات. ولكن، ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل، كما قال أحد أجدادنا الشعراء، فالشاعر قرين الأمل دائماً.

•وكيف ترى صعود الرواية مقابل هبوط الشعر؟
– في ظني، نظرية صعود الرواية إزاء تراجع الشعر لا يسندها الواقع. إذ المسألة لا تكمن في صعود جنس أدبي على حساب هبوط جنس أدبي آخر. فهناك تطور بارز حصل في الآداب على مستوى العالم وعلى مستوى الوطن العربي أيضاً ، حيث انمحاء التخوم التي تفصل ملامح جنس أدبيّ عن آخر. وأعتقد أن هذا التداخل والتلاقح يفرز واقعاً أدبياً جديداً. ومن الممكن الاستفادة من الفنون بشتى تجلياتها واشكالها وأنواعها، فليست المسألة مقتصرة على الفنون الكتابية فحسب. كما أن هناك في كل الأجناس الأدبية والفنية الغث والسمين، والجيد والرديء. ولا ننسى أن هذا المبدأ ينطبق أيضاً على الرواية وعلى الشعر.