كتاب “الشاعر الغريب في المكان الغريب.. التجربة الشعرية في سبعينات العراق”
تأليف: شاكر لعيبي
دمشق: دار المدى، 2003م
*****
يشير العنوان الفرعي إلى محتويات هذا الكتاب الذي يرصد حقبة مهمة من تاريخ الشعر في العراق. في مقدمة الكتاب يذكر المؤلف أن عمله يحاول وصف السياقات الموضوعية التي ولد فيها شعراء تلك الفترة الحيوية في الشعر العراقي الحديث. يسعى الشاعر شاكر لعيبي إلى تقديم صورة وصفية للتجربة الشعرية في سبعينات العراق، ومن خلال هذه الصورة يدخلنا معه في سياقات موضوعية وفحوصات نصية بالنظر لما تضمنته فترة السبعينات من تطور ثقافي ونمو شعري متأثرا بفترة الستينات مع فصل المرحلة التي يعالجها الشاعر شاكر لعيبي، ولهذه الفترة خصوصيتها وتغيراتها البنيوية على كل الأصعدة.
يقدم الكاتب مقدمة للشعر العراقي الحديث كمحاولة لتأسيس رؤية جديدة مستذكرا أسماء تمثل نسق المعرفة الشعرية ودورهم في رصد التغيرات الحاصلة، مع رؤية نقدية لتطور الشكل الشعري وبروز قصائد تدل على انسلاخ جزئي من العروض ومن فكر الماضي وتدل في نفس الوقت على بقاء نسبي في نمط اللغة الشعرية السابقة.
وإذ يجد لعيبي أن موضعة المشكلات التي يطرحها في السياق ليس بالضرورة أن يرتدي الشعر معطفا سياسيا لكنه لا يبرهن بالملموس على ذلك، إذ يدرك أغلبنا ان لم نقل الأعم أن الشعر ارتدى معطفاً سياسياً في الستينات. ثم يذكر لعيبي أن الستينيين وجدوا مرجعا لهم عند الشعر الأمريكي، حيث يذكر إلى أنه من بين الكثيرين يشير الشاعر هاشم شفيق إلى أن قصيدة العزاوي (لنخرج إلى العالم وننسفه بالقنابل) هي محاكاة لقصيدة غينسبيرغ (عواء). واذ يورد تجسيداً للعالم المتخيل المبتني عبر الترجمة قصيدة أنور الغساني والذي يدل على تأثير كلمات الترجمة على الشعر.
ويختلف لعيبي مع الشاعر فاضل العزاوي الذي يعتقد أن الستينات كانت مدرسة أدبية أو فنية موحدة، بينما يرى لعيبي هذا الأمر في مدينة واحدة أنتجت (جماعة كركوك) الذين هم جزء من الفاعلية الإبداعية لثقافة بلد محكوم تاريخيا ولغويا بالتنوع الإثني، وأن حيوية هذه الجماعة لاتدلل على امتداها الزمني بدليل أن الشاعر سركون بولص يتمتع بطاقة إبداعية
لاعلاقة لها بالبيئة التركمانية مع انه ولد وسط كركوك. ويقول الشاعر شاكر لعيبي (إن اعتبار المنجز الشعري الستيني هو الإضافة الجذرية في الشعر العراقي الذي قاد إلى ظلم الشعر العراقي). أما جيل السبعينات فقد شهد تشظياً لامثيل له من خلال تقلص التعددية التاريخية في العراق الى محورين متعارضين بالرغم من ظاهرة التحالف في حينها، مما أثر على انحسار العمل الثقافي وتخلف الإبداع، وما جاءت به اللغة الهجينة التي أرادتها السلطة في الارتزاق والتهميش وعدم الاعتراف بالآخر.
ويعود لعيبي بالذاكرة إلى بدايات الحركة الشعرية وإرهاصاتها الروحية وتمارينها الإنسانية، والتي ولجها لعيبي من أحياء الفقراء وبيوت المهاجرين إلى مدينة تتسع لكل الشعر على مدى الزمن المفتوح، ويعرج أيضاً إلى أسماء لمعت في مجال القصة والمسرح، ويتحدث لعيبي عن تجربة الأقسام الداخلية ودورها كبديل عن المقاهي المفتوحة وتحويلها إلى منتديات لجدل ثقافي ثر.ويتحدث أيضاً باختزال من لا يريد أن يتحدث عن المحنة التي عاشها جيل السبعينات في الملاحقة والمطاردة والتضييق والإرهاب الذي مارسته السلطة لتحجيم دور المثقف العراقي.
ثم يسترسل لعيبي في الفصل الثالث من كتابه للتحدث عن الهامشي والجوهري في الشعر العراقي المعاصر ليتطرق إلى حقيقة ازدهار الشعر في المهاجر، وانفصال تطور هذا النمط الشعري في خلق جيل أدبي متمايز (نلاحظ نتاجات الشاعر هاشم شفيق من بين أحد عشر إصدارا كان بينها واحد فقط في الوطن (قصائد أليفة) بينما أصدر( أقمار منزلية وشموس مختلفة ونوافذنا ونوافذهم وأوراق لنشيد ضائع وطيف من خزف وصباح الخير بريطانيا وإعادة نظر ومشاهد صامتة وورد الحناء وغزل عربي) جميعها في مهاجره المتنوعة بين بيروت ودمشق وبودابست ولندن).
ويذكر الكاتب أمثلة شعرية في فترة
السبعينات منها الشاعر جلال وردة، وكزار حنتوش، وهاتف الجنابي وعواد ناصر وصاحب الشاهر وعلي عبد الأمير وبرهان شاوي وأسعد الجبوري وعبد الزهره زكي، ودور مجلة الثقافة الجديدة في دفع الأسماء الشعرية إلى الواجهة، ونفى الكاتب بروز شاعرات في فترة السبعينات. ثم يتطرق إلى الإرث الذي خلفته فترة السبعينات، والتردي العام في الثقافة بتأثير السلطة التي عكست سطوتها وهيمنتها على كل شيء. وفي خضم كتابته عن التجربة السبعينية للشعر والترجمة إلى اللغات الأجنبية يعالج الموضوع من زاوية ضيقة حين يسرد لنا مثالاً في إلغاء كل من الشاعر عبد القادر الجنابي والشاعر خالد المعالي بعضهما، دون أن يتطرق إلى المنجز والمساهمة الفعالة لدورهما في توسيع كوة المعرفة الثقافية ومهمة ترجمة الشعر. ويعالج الشاعر شاكر لعيبي في هذا العمل الشعر المنفي قبل السبعينات وبعد السبعينات وأثر المكان والزمان عليه، بالإضافة إلى طبيعة الشعر نفسه في كل هذا دون أن ينسى تأثير إعلام النظام البائد الضخمة على مجمل حركة الشعر سواء في الداخل أو في المنفى. يقع الكتاب في (309) صفحات من القطع المتوسط.
المصدر: http://www.al-jazirah.com/culture/06092004/tatb30.htm