وليم ستانلي ميروين: مخـتارات شعريّة
لوحة لخوان ميرو
أحمد م. أحمد 23 مايو 2017
ولد و. س. ميروين في مدينة نيويورك، أمضى معظم طفولته في يونيون سيتي، نيو جرسي، وفي سكرانتون، بنسلفانيا. كان مسكوناً بالشّعر وسحرِ الكلمات منذ نعومة أظفاره. كان والده قسّاً مشيخياً في الكنيسة البروتستانتيّة، حين بدأ ميروين بنظم الترانيم لكنيسة والده وهو في سنّ الخامسة. شجّعته مدَرِّسةُ لغة إسبانية على كتابة الشعر، وحثّتهُ على أن يجرّب ترجمة الشاعر الإسباني فيديريكو غارثيا لوركا.
رغم أن أحوال والديه الماليّة لم تسمح لهما بإرسالِه إلى الجامعة، إلا أنه نالَ منحة دراسيّة من جامعة برينستون، هناك عمل نادلاً في مطعم للنّخبة تابعٍ لأحد نوادي الجامعة، ما ساعده على دفع تكاليف المعيشة. في برينستون، تأثّر بالنّاقد والشّاعر الشهير ر. ب. بلاكمور ومساعده في الجامعة نفسها الشاعر جون بيريمان. أسس ميروين معرفة شاملة في أصول الشعر وبدأ يدرس فكرة احتراف الأدب. بعد التّخرّج، مكث في برينستون سنةً إضافيّة ليتابع دراسته للّغات الأوروبية، ويعدّ نفسه لعملِه المستقبليّ كمترجمٍ للآداب الفرنسية والإسبانية والإيطاليّة.
بعد الجامعة، وجد ميروين عملاً كمدرِّسٍ خصوصي لأبناء العائلات الموسرة. وفي مصادفة مصيرية، تمّتْ الاستعانة به لتدريس ابن مؤلِّف بريطاني هو روبرت غريفس، الذي كان يعيش في جزيرة مايوركا الإسبانية.
من خلال غريفس وأصدقائه، التقى ميروين بالعديد من الأسماء الكبيرة في عالَم الأدب الإنكليزي، من بينهم الشّاعر الأكثر تأثيراً في عصره، الأميركي المولد، ت. س. إليوت. بعد أن أنهى تدريس ابن غريفس، انتقل إلى لندن، ليشتغل بالترجمة لصالح إذاعة “بي بي سي”، حيث أنجز لها ترجمة El Cid.
في 1952، عندما كان ميروين في الرابعة والعشرين، قُبِلَ مخطوطُه الشعريّ قناع جانوس للنشر ضمن سلسلة ييل للشعراء الشباب. كان محرّر السلسلة و.هـ. أودن، ثاني أهم الأسماء الشعرية في العالم النّاطق بالإنكليزية. كان لمديح أودن شعرَ ميروين أن يلفت انتباه جمهور قرّاء الشعر إليه. أظهرَ شعر ميروين المبكّر تأثّراً عميقاً بـ غريفس وبصديقِ إليوت الشاعر عزرا باوند، باستعمالِه الصّيغ التقليدية، وإحالاتِه العريضة إلى الأدب الكلاسيكي والميثولوجيا. كان تأمّل ميروين المرهفِ للطبيعة والحيوان ملكةً فطريّةً يختصّ بها أكثر من سواه وستلقي بظلالها على المجموعات القادمة، الدّببة الرّاقصة و ساذج مع الوحوش.
لسنوات عديدة، عاش ميروين وزوجته الإنكليزية ديدو ميلروي في منزل ريفي جنوب غرب فرنسا. عاد سنة 1956 إلى الولايات المتحدة ليعمل ككاتب مسرحيّ مقيم ضمن مسرح الشّعراء في جامعة كامبردج، ماساتشوستس، حيث اطّلعَ على تجارب الشعراء الشباب الآخرين مثل روبيرت لوِيل، أدريان ريتش ودونالد هول، الذين كانوا جميعاً يحاولون تأسيس صوتٍ معاصر للشعر الأميركي. في هذا الجو، فقد ميروين بشكل نهائي اهتمامه بالمسرح الشّعري. وُتوّجَ تحوُّلُه عن الأشكال التقليدية، إلى الاهتمامات والأساليب العصريّة بكتابه السِّكّيرُ في الفرن الذي صدر عام 1960. وفي عودته إلى لندن، نشأت صداقة بينه وبين سيلفيا بلاث وتيد هيوز، اللذين كانا بدورهما يحاولان الابتعاد عن شكلانية جيل إليوت باتجاه أسلوب أكثر عاميّة وهمٍّ أكثر قرباً من المواضيع الشخصيّة. تكرّس توَجُّه ميروين الجديد بِنَيلِه جائزة الكتاب القوميّ سنة 1963 عن كتابِه الهدف المتحرِّك، وفي السنة نفسها نشر ترجمتَه للملحمة الفرنسيّة القروسطية أغنية رولاند.
بعد انفصالِه عن زوجتِه، أمضى ميروين معظم وقته في مدينة نيويورك، وعملَ محرّراً للشعر لدى المجلّة الأسبوعية الليبرالية ذي نيشن. في مجموعته الشّعرية القمل التي صدرت عام 1967، عمّق ميروين اتجاهه التجريبيّ في الشّعر، في تبنّيه المعاييرَ المخالِفة للسّائد والتي عرضها في مقالتِه الخلافية “في الصّيغة المفتوحة.” عندما نال جائزة بوليتزر للشعر عام 1970 عن مجموعته حامل السّلالم، انتهز المناسبةَ ليشهر معارضته لحرب فيتنام. وحتى نهاية 1973 كان قد أنجز ترجماتٍ عديدة إلى الإنكليزية، من الثّقافات الصّينية واليابانية واليونانية والروسيّة.
في سنة 1978 نال عملُه ريشٌ من التلال جائزة بوللينغتون، ليكمل بها ثالوثَ الجوائز الأرفع في الشعر الأميركيّ. في نفس الوقت، غدا أكثر اهتماماً بالبوذيّة وبفلسفة الإيكولوجيا. بعد عدة زيارات إلى هاواي، استقرّ في جزيرة ماوي، الأمر الذي انعكس في كتبه التي صدرت عام 1980:العثورُ على الجزُر، بَسْطُ اليد، ومطر بين الأشجار. أما كتابه سنة 1998 طيّ الجروف فكان شعراً سرديّا لحكايات وأساطير من هاواي، ثم صوت النّهر، التلميذ بالإضافة إلى ترجمة المَطْهَر لدانتي والحكاية الرومانسية القروسطية السّيْرْ غاوان والفارس الأخضر.
تنحو أعمالُ ميروين الأخيرة إلى الشَخصيّ، بما هي نابعة عن العقائد الرّاسخة، فكانت مسكونة بالإحساس الحميمِ للمشهد واللغةِ والسّبُل ويتّحد عبرَها مجرى اللغة والأرض. في قصائده الأخيرة ثمة تكثيف في تصويريّتها وامتلاء بالوعي الدّافئ للعالَم الطّبيعيّ.
تضمّنت أعمالُه النّثرية كتاب نهاية الأرض، مجموعة مقالات في الطبيعة والاستكشاف. وفي سنة 1994 أصبح أوّل من تلقّى جائزة تانينغ التي تبلغ قيمتها مائة ألف دولار الممنوحة من أكاديمية الشّعر الأميركيّ ضمن احتفالية مميزة في العاصمة واشنطن. جُمعتْ قصائد الخمسين عاماً من الشّعر في مجلّد ارتحال: قصائد مختارة 1951-2001، هذا المجلّد الذي نال جائزة الكتاب الوطنيّ. في 1999 عُيِّن مستشاراً شِعريّاً لدى مكتبة الكونغرس، وسُمّيَ أمير شعراء مهرجان ليالي ستروغا الشّعريّة في ماسيدونيا، ثم نال جائزة الشّعر الدّولية، جائزة الإكليل الذّهبيّ، جائزة لانان للإنجاز على مدى الحياة، وجائزة روث ليلي الشّعريّة.
لم يعتورْ إدانة ميروين للحربِ الوهن بتقدّم عمره، ففي عام 2003 عاد إلى واشنطن العاصمة مُفَوَّضاً من قبل “شعراء ضد الحرب” للتظاهر ضد الغزوّ الأميركيّ المُبيّت للعراق. وبعد سنتين نشر ميروين عملاً نيّراً بالغ الصّفاء هو عبارة عن مذكّراتٍ بعنوان مداخِلُ الصّيف.
نال ميروين جائزة بوليتزر مرة أخرى عام 2009 عن مجموعة قصائده الجديدة ظلّ النّجم الكلب. لا يزال يعيش في ماوي مع زوجته باولا. يلتزم ببرنامجِ كتابةٍ مُحكَم، مُكرِّساً بقيّة طاقتِه، كناشِطٍ بيئيّ، لحماية بيئة هاواي وإحياء الغابات المطَرِيَّة المُحيطة بموطنه.
رسالة إلى بو تشو-آي[2]
في الشتاء العاشر من منفاك
لم يبْرَحْكَ البردُ
ولم يزل الجوع ينهشك
آناءَ الليل والنّهار وأنت تتسقّطُ الأصوات
من الأفواه التي تتضوّر جوعاً حولك
من العجائز والرضّع والحيوان
وحُجُبِ العِظامِ المُترنّحة على الطُوَّالاتٍ[3]
سمعتَ صرخاتِ الطّيور الخافتة
وهي تُنقِّبُ في الطّينِ المتجمِّد عما
تزدرده ومسحتْ عيناك أرتالَ المهجَّرين
عالِقةً في البرْدِ تغدو الإوَزّاتُ
أكثر وهناً في النّهار حتى لتكاد
أجنحتها لا تحملها فوق الأرض
وهكذا تمكّنتْ عصابةُ أولادٍ من إحداها
بشبكةٍ ليأخذوها إلى السّوق
كي تُطْهى ثمَّ كنتَ أنتَ مَن
رآها في منفاها
دفَعتَ ثمنَها وتكفّلتَ بها حتى
تمكّنتْ من الطّيران مرّة أخرى فأطلَقتَها
لكن أين تراها تذهب في عالَمِ
زمنِك الذي تتأكّلُ الحروبُ أرجاءه
والجندُ فيه جياعٌ والنِّيران مُضرَمة
والنّصالُ خارجَ أغمادِها منذ اثني عشر قرناً
لكم تمنيتُ أن أطمئنكَ
بأنّ الإوزّةَ في أحسن حال وأنّها برفقتي
ستتعرّفُ تلكَ المُهاجِرةَ المُسِنّة
قد مكثتْ قربي زمناً طويلاً
وليست على عجلةٍ لكي تغادرَ هذا المكان
فالحروب أكثر اتّساعاً من ذي قبل
والجشعُ بلغَ أرقاماً لا يسعُك
أن تُصدِّقَها ولن أُخْبِرْكَ بما
فعلوه بالأوزّات الأخريات قبل أن يقتلوها
ثم ها نحن نُذوِّبُ الآن بؤرتيّ القُطبين
في الأرض لكنني لستُ أدري
أين عساها تذهب بعد أن تُغادرَني
ضوء المطر
طوال اليوم تسهرُ النّجومُ من غابر الأزمان
قالت أمي أنا سأخرجُ الآن
حين تكونُ وحيداً ستكون على ما يُرام
سواء كنتَ ذا دراية أم لا فلسوف تتعلَمُ
انظرْ إلى المنزل العتيقِ في مطرِ الفجر
كلّ الأزهار تجلٍّ للماء
الشّمسُ تُذَكِّرُها عبر غيمةٍ بيضاء
تلمسُ الزّرْكشةَ التي افترشتِ التَّلَّ
ألوانَ الآخرة المغسولةَ
التي عاشتْ هناك طويلاً قبل أن تولَدَ
انظرْ كيف تستيقظُ دون أن يُطلبَ منها
حتى ولو كان العالَمُ بأكملِه يحترق
ربيع أخير
أدخلُ الغرفة العُلْويّة مرّة أخرى بعد سنوات
بعد محيطاتٍ وظلالِ تلالٍ وأصواتِ أكاذيب
بعد خسائر وأقدام على السّلالم
بعد بحثٍ وأخطاء ونسيان
أستديرُ هناك متفكّراً لأجدَ
أن لا أحدَ هناك غير الذين أعرفهم
أخيراً أجدكِ
تجلسين في الأبيض
تنتظرين
أنتِ التي سمعتُها
بأذنيّ منذ البداية
التي لأجلها
فتحتُ البابَ أكثر من مرّة
ظنّاً منّي بأنّك لستِ بعيدة
السّورُ الغربيّ
في ضوءٍ لـمّا يكتملْ بوسعي أن أرى العالَمَ
حين الأوراقُ تألَقُ أرى الهواءَ
والظلالَ تذوبُ والمشمشَ يفيق للنّور
الآن إذ تتلاشى الغصونُ أرى المشمشَ
من ألفِ شجرةٍ ينضجُ في الهواء
ينضج في الشّمسِ على امتداد السّورِ الغربيّ
مشمشٌ لا يحصى ينضج في ضوء النّهار
مهما يكن الذي انوجدَ هناك
لم أرَ من قبل هذا المشمشَ يتمايل هكذا في الضّوء
ربّما مكثتُ طويلاً في البساتين
دون أن أستهلَّ اليومَ بين المشمش
أو أعيَ نضوجَ الهواء الشّفيفِ
أو ألامسَ المشمشَ في جلدكِ
أو أتذوَّقَ الشّمسَ في المشمشِ من ثغركِ
السّنةُ الأولى
عندما استُنْفِدَتْ كلُّ الكلماتِ
لأغراضٍ أخرى
شهدنا اليومَ الأوّلَ
يطلعُ من ماء الصبوة
وأوراقِ الأغصان السوداء
التي لا تتجاوزُ حجمَ رؤوس أصابعك
وهي تكشفُ عن شجرةِ السّماء
قبالةَ الحائطِ العتيقِ المُلطّخ
ضوءَ شمسِها الأخضر
التي لم تَشُعَّ من قبل
مُسْتَيْقِظَين معاً كنّا أوّلَ
من رآها
كلّ اللغات كانت أعجميّة إذ
أشرقتِ السّنةُ الأولى
[1] لا يستعمل ميروين الفواصل والنقاط وبقية علامات الترقيم.
[2] Po Chu-I: 772-846، شاعر صينيّ اشتُهر بأشعارِه الشّعبية السّاخرة.
[3] Stilt: الطُّوَّالة، زوج من العصيّ الطويلة بقاعدةٍ للقدم مثبّتةٍ في الثلث الأدنى منها، يمسك السّائرُ بأعلاهما ويبدأ السّير بواسطتهما.
المصدر:
https://www.alaraby.co.uk/diffah/secondbank/2017/5/19/%D9%88%D9%84%D9%8A%D9%85-%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86%D9%84%D9%8A-%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%88%D9%8A%D9%86-%D9%85%D8%AE%D9%80%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%B4%D8%B9%D8%B1%D9%8A%D8%A9