خرائط الكتابة والمحو
اليوم، خاصة وسط هذه الطاحونة الهائلة(طوفان معلوماتي ونصوص تتفجر من كل مكان ورقياً وإلكترونياً)،كثيراً ما يسائل الشاعر نفسه، ويسأل الآخرين أيضا: من تُرى سيقرأ ما أكتبُ؟
فعلاً، سؤالٌ مهم وجديرٌ أن نبحثَ في أبعاده، غير أن السؤال الأهم هو: هل ما نكتبه يستحق القراءة أصلاً؟
- •••
ثمة من يقول: الشعر يكمن في كلِّ شيءٍ تقريباً. والتحدي الأكبر أن نكتشف هذا الشعر من هذه الأشياء:عابرةً وأبديّةً. ونُعيد إنتاجه.
وثمة من يقول: لا تنتظروا الشعر يأتي إليكم. هو لن يأتي. اخلقوه من عدمٍ ، كما يفعل الإله تقريباً.
وبذلك، هل يصح أن نطلق على الأول: إعادة إنتاج لأشياء موجودة أصلاً(إعادة تدوير)، ونسمّي الآخر: خلقاً جديداً على غير مثال سابق؟…
- •••
نعم، الشعر ينشر الجمال في عالم موبوءٍ بالقبائح والفظاعات، ولكن أيّ نوع من الشعر يمكن أن يفعل ذلك؟
هناك من الشعر ما يزيد هذه القباحات قُبحاً. هو، بالأحرى، ليس من الشعر. بل هو استغلال لسلطة الشعر ومكانته. ولتتذكروا أن “داعش” وأخواتها من التنظيمات المتطرفة أيضاً، يَنظم بعضُ أفرادها “أشعاراً” تُنشد وتُمنتج عبر الوسائط المتعددة، في سبيل الترويج الأيديولوجي والنفسي والحماسي.
- •••
مضادُّالشعر ليس النثر كما هو شائع. المضادُّ للشعر هو اللاشعر، إذا جاز التعبير.
وتبعاً لذلك، قصائد الوزن والقافية ليست هي الشعر. بخاصة في الوقت الراهن، إذْ غالبية النصوص الموزونة بالمعنى العروضي(عمودية وتفعيلية) ليس فيها من الشعر شيء.
وكذلك النصوص الشعرية المكتوبة بالنثر ليست هي الشعر بالضرورة.
الشعر،هنا وهناك، نادر نُدرة الفرح كما يعبر الشاعر والناشر العراقي خالد المعالي.
- •••
أقرأ ما يسمى بشعر “اليوميات”، وربما أُعجبتُ ببعض ما يُكتب منه. غير أن اليوميات هذه، إن لم تُتجاوز إلى أبعد من كونها يوميات عادية وتافهة، لغةً ورؤيةً واختراقاً للمألوف- ربّما سيكون عسيراً على القارئ المثقف أن يقتنع بها، فضلاً عن أن تُقنع الناقد المتخصص..
- •••
المحو مهارة ضرورية لأيِّ شاعر.
هل،إذاً، يمكننا أن نقول: المحو أهمُّ من الكتابة؟ وهل هذا المحو هو ما يميز شاعراً عن شاعر آخر؟
ومن هنا صرتُ أنصح ذاتي وأنصح الأصدقاء، نظرياً وعملياً: تخفّفوا، أيها الشعراء، من كل هذا الشحم اللغوي الزائد. واجعلوا النص رشيقاً متحركاً. وإذا استطعتم أن تجعلوه يطير حُرّاً مثل نسر أسمر، فافعلوا…
6 مايو 2018
عبدالله زهير