أوهام النُخبة أو نقدُ المثقف…قراءة في كتاب علي حرب
الحوار المتمدن-العدد: 3912 – 2012 / 11 / 15 – 08:27
بقلم: م.مازن عبدالرحمن
أحاول في هذه الكتابة أن أبين مواقف الكاتب (علي حرب) في نقده القوي والمؤثر للمثقف العربي,هذا الكتاب يعتبر من الكتب المهمة بالمكتبة العربية بل العالمية لأنه يتحدث عن المثقفين أنفسهم صناع الكلمة ,الادب,رجال الفكر والثقافة,,لذلك نقدهم يتطلب قدرات عالية من الادراك والتفلسف,إذ مقارعة قبيلة كقبيلة المثقفين تحتاج الي شجاعة ومعرفة كبيرة حتي لايدخل معها الكاتب في متاهات وتهويمات فكرية قد تطيح بمستقبله وبناءه الفكري, لذلك هذا الكتاب يحاول قراءة مالم يُكتب ويفسح المجال للتأمل والتفكر بقيم كبيرة وحياة طويلة قضاها وعاشها المثقفون يبشرون ويحيون لاجلها,ومن هنا جاء إهتمامي بالكتاب ومحاولة تلخيصة والتعرض لفقراته بالنقد.
كتب علي حرب ص11( المثقف يشتغل بحراسة الافكار ومعني الحراسة التعلق بالفكرة كما لو أنها اقنوم يُقدس أو وثن يُعبد,علي ماتعامل المثقفون مع مقولاتهم وشعاراتهم,مثل هذا التعامل هو مقتل الفكرة بالذات,إذ هو الذي وقف حائلاً دون تجديد العُدة الفكرية واللغة المفهومية,بقدر ماجعل المقولات تنقلب الي أضدادها في ميادين الممارسة وميادين العمل,وذلك أن الافكار ليست شعارات يتبغي الدفاع عنها,أو مقولات صحيحة ينبغي تطبيقها,بقدر ماهي أدوات لفهم الحدث وتشخيص الواقع,إنها حيلنا في التعقل والتدبر,للحياة والوجود,باجتراح القدرات التي تتيح لنا أن نتحول عما نحن عليه,عبر تحويل علاقتنا بالاشياء أو بنسج علاقات مغايرة مع الحقيقة) إنتهي
يحاول الكاتب هنا أن يصنع من المثقف حلقة وسط بين الفكرة وفهمه للواقع ويرفض تمترس المثقف حول الفكرة,ويعتبر هذا من أسباب الهزيمة الكبري التي ظلت تُلاحق المثقفين وشعاراتهم أنهم لم يصنعوا علاقات مفتوحة مع أفكارهم وتعاملو معها بقدسيات متعالية علي الواقع مما جعل أحداث الواقع لاحقاً تتجاوزهم,,وهو هو هنا يؤمن بحتمية تغير الشعارات والافكار…لذلك يعتبر تمترس المثقف حول( فكرة ما) يعني جمود الفكرة وعدم تحريكها وفقاً لتفاعلها مع الواقع,وهو ينعي الافكار التي لاتتحرك أي أنها تموت ويموت حاملها وهماً بينا أحداث الواقع تتجاوزه,وللامانة تعتبر هذه فكرة معقولة لنقد المثقف وموقفه الدفاعي من أفكاره, وتفتح نفاجاً لنقاشات مثل الجمود الفكري,ولكن السؤال الموضوعي والذكي الذي يتبادر الي الذهن كيف ستترجم الافكار المتحركة الي شعارات يمكن تحقيقها علي أرض الواقع؟ لأننا إذا افترضنا صحة أفكار الكاتب حول هذه المسالة فإننا نوافق بعدها علي أن الافكار المتحركة دوماً ليس باستطاعتها الاستقرار لذلك كل العوامل التي تجعلها قاعدة يمكن أن يبني عليها الاخرين غير موجودة, ولذلك كان من الاجدي للكاتب أن يدعو الي عدم حراسة الافكار مع ضرورة وجودها كفكرة ثابتة الي وقت عدم إثبات صحة الفكرة أو ظهور مستجدات علي الواقع تجاوزت الفكرة وهنا ستكون عملية التغيير مرغوبة بل واجبة علي المثقف. وبما أن الافكار هي نتيجة التفاعل الموضوعي مع الواقع فتبقي هي ثابتة الي أن ينتج التفاعل مع الواقع أفكاراً اخري تُعبر عنه, فعملية ديمومة وإستمرارية الافكار ليس شيئاً ثابتاً وكل شي به نسب إستقرار زمني يتغير بإحتاج الواقع الي شي جديد,وإلا لما صلح بتكوين مفهوم واحد تسطيع معه بناء نظريات فكرية قابلة للتطبيق.
يطرح الكاتب في ص 18 مجموعة من الاسئلة حيث يقول:( لماذا تزداد الامور سوءاً بعد طول النضال؟ أي لماذا تزداد الرأسمالية هيمنة وتوحشاً؟ لماذا يعجز الارث الاشتراكي من لينين حتي الاشتراكيات المعاصرة عن إيجاد حلول لمشكلات البطالة؟ لماذا يزداد الفقر والتهميش مع إتساع مجالات الانتاج ومصادر الثروات؟ لماذا يزداد التلاعب والتعتيم مع تطور وسائل النشر وتقنيات الاتصال؟ وبسؤال أقرب الي المفهوم لماذا نشهد إنهيار المشاريع الايدلوجية والنظريات الشمولية لدي أصحاب المشاريع النضالية؟)انتهي.
يطرح الكاتب في هذه الفقرة عدد من الاسئلة المهمة التي لطالما كانت تُواجه وتُحاصر عقول المثقفين,وخاصة الذين قضوا فترات طويلة من حياتهم يتمسكون بقيم ومباديء أيدلوجية انتهت بهم وهم يحملون أحلامهم الي منازلهم الابدية, لماذا لم ينجحوا في أن يصنعوا واقعاً يمثلهم ويًمثل فكرتهم وطموحهم نحو المستقبل؟ ونستطيع أن نقرأ من خلال الكاتب أنه يرجع كل هذا الفشل الي إنغلاق المثقف وتحوله من مفكر ومُبدع الي حارس للأفكار منغلق الذهن شأنه شان المبشرين والفقهاء الذين يتمسكون بالنصوص,وربما قدم الكاتب هنا نظرة مغايرة للتحليلات الموجودة تلك التي تري الفشل الذي ظل يلاحق أصحاب المشاريع النضالية بأنه نتيجة حتمية لتصاعد الرجعية وقوة سلطاتها التي تستخدمها وتعدد منابرها, وخُفي علي الكاتب أن يشير الي أنه هنالك عوامل كثيرة تلعب دوراً هاماً ومفصلياً في قضية التبشير بالافكار وهي الامكانات المادية لذلك, ولكن قد يداهمنا الكاتب بسؤال أخر هو أن عدم القدرة علي الحصول علي التمويل اللازم للتبشير هي إمتداد لانغلاق الذهن,وهي محصلة تكاد تدعم وجهة نظره إذا لم نقرأ واقع الرجعية جيداً,فالرجعية التي تستخدم الاموال وتجنيها بطُرق مُتعددة يعجز معها مثلاً أصحاب المشاريع الاشتراكية والداعين الي( قبض الدولة علي مفاصل الاقتصاد) أن يعملوا بوجهة مختلفة من مبادئهم, فمثلا لايستطيع رجل يؤمن بمجانية العلاج كقيمة نابعة من أصل إشتراكي أن يستثمر في الدواء للحصول علي المال اللازم للتبشير,ويمكنني هنا أن أقدم للقاريء الكريم العديد من الامثلة التي تدُل علي ذلك,بل أنني اري أن رؤية الكاتب نفسها حول تحليل هذه الظاهرة بها من إنغلاق الذهن الذي يتهم بها المثقف, ويبقي هنا أن الحقيقة لاتحتمل وجهة واحدة وهي(دعوة الكاتب نفسه) قد يكون إنغلاق الذهن سبب من أسباب انهيار المشاريع ولكن بصحبة عوامل أخري ساعدت في ذلك.