الشاعرة المغربية فريدة العاطفي تحيِّي الصباح بقبلة

الشاعرة المغربية فريدة العاطفي تحيِّي الصباح بقبلة

النسخة: الورقية – دوليالإثنين، ١ يناير/ كانون الثاني ٢٠١٨ (٠٠:٠٠ – بتوقيت غرينتش)
آخر تحديث: الإثنين، ١ يناير/ كانون الثاني ٢٠١٨ (٠٠:٠٠ – بتوقيت غرينتش)
جريدة الحياة اللندنية

قليلة حد الندرة التجارب الشعرية الأنثوية التي تطلق عطر الجسد يتجوَل في فضاء الشعر ببهاء لا يهبط بالشعر بل يسمو به ويرتفع إلى مقام الفن الجميل، متكئاً على ملكوت لا يترك تناقضاً أو فراغاً بين البوح بمكنونات الجسد وبين الروح في نبضها الآسر بالحياة، بوصفها تجلياً يمتزج فيه هذا الحسي بذاك الذي يكمله ويكتمل به ومعه من شجن العواطف:

«لا ترسل لي

قبلة في الهواء

قد تأخذها الريحُ

لامرأة أخرى»

قد يبدو لافتاً ومثيراً أن تكرس شاعرة كتاباً شعرياً للقبلة التي تأخذ جلَ القصائد وموضوعاتها إلى الحد الذي يجعلها معادلا للحياة ذاتها، وهو ما فعلته الشاعرة المغربية فريدة العاطفي في مجوعتها الشعرية الجديدة «قبلة للصباح… وردة للمساء». قصائد تنتظمها بؤرة حدث عاطفي يستحوذ على الروح باعتبارها مرآة الجسد و «حدث» القبلة الذي يفعل ذلك، يسترسل في استدراج المشهد الحسي إلى آفاق العاطفة والرغبة معاً، باعتبارهما فضاء يتسع لعوالم واقعية كما لرؤى مخيلة ثرية تكتمل بها الحياة، بل تتأسس بها. لغة فريدة العاطفي الشعرية أقرب إلى بوح مباشر فيه الكثير من بساطة الجملة المشغولة بدفء العاطفة وشجنها.

ثمة نقطة ضوء تبدو في مركز الرؤية وخلفيتها على السواء: القبلة محطة ارتطام جسدين في لحظة حب، لكنها في الوقت ذاته ومضة الشعر في تعبيره عن الحياة في لحظة توهج تريدها الشاعرة ديمومة، لتكون حياة كاملة تصطخب فيها صور الحب في حالاته القصوى والأجمل، حيث تتوحد العلاقة بين الروح والجسد في تلك اللحظة – القبلة، متحررة من انتمائهما الشائع إلى عنوانين نقيضين: إما «الحب العذري» أو الاروتيك، بوصفهما عنوانين ذهنيين افتراضيين لا وشائج حقيقية تربطهما بالواقع والحياة الحقيقية.

تختار فريدة العاطفي «حيزاً» يقع في الممنوع أو لنقل المسكوت عنه عادة إلا في استثناءات قليلة بل أكاد أقول نادرة، وهذا الكتاب الشعري إذ يكرس صفحاته وسطوره لذلك الحيز يأخذنا معه في مغامرة اكتشاف كبرى تنفتح على أناشيد الجسد في نقائض لا تحصى، نقائض تحتدم فيربك احتدامها الروح وبذهب بها في تلك «المجاهل» التي تزدحم بتفاصيل التفاصيل وهو اختيار شائك يضع حسيَة الجسد ورغباته في حدقة الشعر الضيقة البؤرة ولكن الواسعة في فضاء تجوالها وفي مشهدية كشفها . هو الخيط الذي لا يرى بالعين المجرَدة، ويفصل بين «عذرية» قصيدة الحب إذ تنشغل في تجريديتها كما في كلية معانيها وانزياح تلك المعاني عن «شبهة» الخصوصية، وبين بلاغة الرغبات التي تزهر في أتونها فتنة الشغف الإنساني، بعيداً من وصاية «الحكمة» وما تفرضه عادة من صرامة تتكرَس فتكون تابو الجماعة على خصوصية الفرد:

«تركت لك

قبلات وحماما

على الشرفةِ

فلا تضع في طريقي

أحجاراً

دعني ..

أمشي ..

عميقاً فيَ

لأصل إليك «

هو الشعر وهو في تجواله في شرايين الحياة تظل له كينونتة الخاصة فموضوعات الشعر ومشاهده تغتني بتونعها لكنها لا ترتهن لما هو شائع ومألوف، وهي تالياً ليست أسيرة ذهنية التسليم بالممنوعات والمحرَمات مثلما لا يجوز أن يسقط في ابتذال الخيارات التي يذهب الشعر نحوها. في كتاب فريدة العاطفي الجديد إصغاء لمرايا داخلية أكثر من إصغائه لصخب يأتي من خارج الذات: لعل أهم أدوات فريدة الفنية هي الصورة الشعرية التي نراها تأخذ مكانة كبرى في القصائد، خصوصاً أنها تترادف في حيوية تجعلها تشكل مشهداً بأكمله. نعني بالذات صعود القصيدة إلى حافة الاشتباك مع الحالة التي ترسمها وليس وصفها وحسب على ما بين الحالتين من فوارق جوهرية.

«قبلة للصباح… وردة للمساء» للشاعرة المغربية فريدة العاطفي سلاسة التماهي مع روح الأنوثة في احتفالها بالحياة أو بمعنى آخر احتفال الشعر بالحياة بألفة تمزج الواقع برهافة المخيلة وجموحها على نحو جميل.