في ضيافة آرثر رامبو
– سأمضي بعيداً، بعيداً جداً…
- بعيداً، إلى أين؟
كل الأسرار مسلوقة في صحن ذاتك
يا صديقي، ابق مكانك.
المدن كلها داعرة، ومنذورة للهباء الفاضح. وليست باريس فقط كما كنتَ تقول؛ ولربما هي أهون …
– أرضي ليست هنا أبداً، أرضي هناك (حيث أتمرأى ملتحماً بثدييْ امرأة غجرية أو حبشية أو فارسية).
أرضي ليست هنا أبداً.أرضي بعيدة، بعيدةٌ جداًّ…
- إذا كان لا بدّ من الرحيل يا صديقي
فأنا مرتحل وراءك، ولكن إلى أين؟
إلى سماء إلهية مغلقة؟ إلى أبجدية لا تحمل حبًّا أو حتى شفقة؟
إلى حفلات الجحيم المقامة في آخرة الشرق؟
إلى أين، يا سيد الرغبة المستحيلة؟!
– إلى زمن يحررني من أناي المدكوكة بالآخرين
إلى أرض هوائية
تعانق فيها غاباتي المجهولةُ وحشيتي المجيدة
إلى حيث عقلي يصلّي مستديراً مغتسلاً بنبيذ الشموس
إلى وجهي وجسمي السرمديين.
إلى شطآن العزلة الذهبية، إلى لغتي…
- إذن، هل تسمح لي أن أكون فانوسك الشاحب في طريقك الغامق.
مدائنك المستحيلة لا أدري هي أين،
لكنني مرتحل وراءك،
وفي دمي سؤال يحتقن كأنه عِرق منتفخٌ :
” لماذا يحزن الراحلون كلّما غادروا وطناً
لا وطن في أحشائه، لا أمل في سمائه؟
لماذا يتدفّق الحزن في كلّ مكان، عندما يبدأ الرحيل؟ “
- لا تصدق ذلك الحنين الذي يتلوى يتشكل كمثلما يتشكل شيطان
إنه كاذب مخاتل، لا تصدقه
وغادر بلاشعور بالضيق، بلا ندم.
لا تصدق ذلك الحزن ولترتحل هانئاً معي هناك
بعيداً بعيداً جداًّ..
شعر: عبدالله زهير
اللوحة للفنان العراقي الكبير ضياء العزاوي