مذكرات رحالة حديث

TOPSHOTS Kurdish Syrian girls are pictured among destroyed buildings in the Syrian Kurdish town of Kobane, also known as Ain al-Arab, on March 22, 2015. AFP PHOTO/YASIN AKGUL
T1

من صبغ أنساغ البلاد بالضجر الفاجع:

أسخطٌ كريه ذو وجه كالح، أرمادٌ لصيق بتلك الطرق الآيلة للهباء،

أآلهةٌ جحيمية تسخر من مخلوقاتها المهتوكة…؟

من أغلق حوانيت المعنى

ومن جعل حدقتيْ الصباح مريضتين مطرزتين بهالات سوداء

ومن مزّقَ أمعاء الرغبة برمح التاريخ

من أمعن دونما رجفة في جزِّعنق الحاضر عن جسده…؟

     ومن قتل تلك المرأة الجزعى وهي تجثو على ركبتيها متكورةً تحت حراب الغيب المسمومة …؟!

 

2

رأيتُ

ذاك البعيد القريب الذي يشبه سلسلة غليظة لانهائية الحلقات

يتناسل.. يتلبس.. يتمرأى.. يتلصص.. يتصامت مع ضحاياه

يرفل في اللاجهة.

يغرس بذور فتكه الأبدية الصيرورة في أتربة الجوع

فوق كل الجهات.

… … … … … … … …

ذاك القريب البعيد الذي يعرفه جيّدا

كما يعرف الموجُ عاصفةً تائهة

مَن تتشبث أصابعُه بسماء التآويل  

مَن يتعشق نسْغَ الحياة

 

3

عينان تقولان(بانكسار واختناق) مشهدا حيّا:

أرى البلاد الآن سبيّة مغبرة الوجه

                        تخدم عند آلهة معبد تهدمتْ جدرانُه

ولم يبق منها إلا خرابيش مختلطة بدم ساخن

يُصبّ على أرضية مثقلة بالركام.

أرى البلاد سبية، يمعن جنود من فراغ في مضاجعتها

 يتحسسون جسدها الناعم الأملس

يهمّون بوطئها

وهي تعضّض وتنهش الأيدي الممتدة دون جدوى

ودون أن تحول بينهم وبين ما يبتغون…

4

صوت استغاثة يخترق الليل:

أنادي لغاتِكم المتشظية الكلمات المرضوضة الرئتين!

إنني أُشوى على نار بطيئة!

من هوة هذا الجحيم الأخطبوطيّ الخانق

 من تجاويف قبو مشحون بالقهر

أنادي الهجعة متجسدة على شكل جبل بعيد

 أنادي الأشباح الإلكترونية السارحة في ساحات السماء

مرعوشاً أنادي ضمير الله

وهذه النار التي تخفتُ حينا وتضطرم حينا

 أبدًا لا تنطفىء…!

5

في الهواء حوّم الموت لزجاً طريّا حاملاً بيرق النصر

جثث حية تدور في الطرقات

تذرع الخرائب والبيوت المحروقة والمنثورة الطابوق

يبحثون جاهدين عن أطياف ملونة

عن رائحة حياة تفوح من مكان ما..

وفي حارة تختنق فيها الحجارة من هول الضجر وشدّة الغبار

رأيتُ رؤوسًا مصلوبةً مفتوحة الأعين

فوق خوازيق مسنونة

رأيت لسانًا لا يجد شفتيه عُلّق ورُبط في سياج حديديّ صدىء

وسؤالاً معلقًا من رجليه في الهواء الشاحب: لماذا، لماذا…؟!

 

6

رأيتُ العتمة ضاربة جذورها الموتورة إلى ما لانهاية

وحينما أغمضتُ عينيَّ

رأيتُ فانوساً تفّاحيّ الشكل بحجم مجرة يضوِّيء ظلمات العطش السرمديّ

يضوّيء كأفكار تمشطّ جدائل حياة كتفاها عاريتان تماماً!

… … … … … … … …

… … … … … …

… … … …  

                                                                                                   عبدالله زهير