لقاء صحفي نشر 2-2-2016:

تحرير وحوار أ. فاطمة المبارك، مجلة الميادين:

– “قمر يتخلق من مجهول” هو ديوانك الشعري الأول والذي صدر عام 2012م، لماذا لم تصدرْ ديوانك الثاني ؟

وما هي المعوقات التي تقف أمام أي كاتب ومؤلف وتمنعه من الإصدار المستمر ؟؟

لديَّ ديوانُ شعرٍ آخر بعنوان: ” الخروج مِنْ مدائن القيامة” ، وفي الحقيقة آملُ أنْ يجدَ طريقه للطبع الورقيّ قريبًا.

أمّا فيما يخصُّ العوائق، فهي كثيرة، وقد تضيقُ مساحةُ هذه المقابلة عَنْ سردها كلها. لكنْ يمكنني أنْ أذكرَ البعضَ مِنها: فمثلاً هناك إشكالية ُالعلاقة بين مراكز الطباعة والنشر والتوزيع وبين الشعر والشعراء.العلاقة ُمأزومةٌ، وهذا التأزّمُ ذو أبعادٍ متشابكة. في المحصلةِ لا يوجدُ دارُ نشرٍ عربية واحدة، بحسب ما أعرف، تقبلُ أنْ تنشرَ مجموعةً شعرية إلا ضمنَ حالتين، إمّا أنْ يكونَ الشاعرُ مُكرَّسا، وإمّا أنْ يدفعَ الشاعرُ مِن جيبهِ الخاصّ مُقابلاً ماديًا

ناهيكَ عَنْ ضعفِ التمويل وغيابِ الاهتمام بالشِّعر مِنْ قبلِ المجتمعات ومؤسسات الدولة الثقافية.وثمة أيضًا ضبابيةُ مفهوم الشعر ودوره لدى الإنسان العربيِّ. كثيرون يظنون أنَّ الشعرَ لا يتعدى كونه أداةً للتنفيسِ أو للتمجيدِ أو للترويجِ لقضيةٍ ما. وهذا المفهومُ يناقضُ تمامًا طبيعةَ الشعرِ وماهيته في العمق.مُحالٌ أنْ يكونَ الشعرُ الحقيقيّ بضاعةً أو وسيلةً للتسلية والتنفيسِ. مَن الذي جعلَ هذا المفهومَ السطحيَّ سائدًا؟ تلك مسألةٌ مستعصيةُ ما أزالُ أبحثُ عَنْ جذورها ومتشابكاتها…

وطبعًا أنا أجبتُ على الجزء الأخير من السؤال،كوني أكتبُ الشعر تحديدًا.بالتأكيد هناك إشكالاتٌ ومعوقات بالنسبة للكتَّاب والمؤلفين بوجهٍ عام، لكنني لا أتصورُ أنها بحجمِ ما يكابدهُ كُتّاب الشعر بوجه خاص.

– قلتَ أثناء حفل تدشينك لديوانك : “إننا في زمن أصبح فيه القابض على شِعره كالقابض على الجمر ..” .  كيف ؟؟ وماذا كنت تقصد بهذه المقولة ؟

كنتُ أقصدُ أشياءَ كثيرة، والحديثُ حول ذلك طويلٌ جدًا.لكنني سأجيبُ الآن بقدر ما تسمحُ المساحة. الشاعرُ العربيُّ يعيشُ حالة حصارٍ دائمٍ قدْ تكونُ لا مرئيةً ولا واعيةً في بعض الأحيان. وهنا أنا لا أقصدُ الحصار الماديّ، ثمة ما هو أبشعُ مِنْ ذلك. الكلُّ يريدُ أنْ يحوّلَ الشاعرَ إلى بوقٍ، إلى نائحٍ مُستأجَرٍ أوغير مستأجَر، إلى ناظمٍ للقوافي المتسلسلةِ، إلى مُلقٍ للجُملِ النثرية عن هذه القضية أو تلكَ. ولاحظي أنهم صاروا يقبلونَ حتّى الذين يكتبون الشكلَ النثريّ، وهُم كُثر. المهمُّ أنْ يكتبَ ما يعجبهم في المضمون أولاً وأخيرًا، ولا يعنيهم الشكل. طبعًا لا أقصد أبدًا بأنني أعترضُ على كتابة شعر النثر.على العكس تماماً فأنا مِمنَ يكتبونَ هذا النوع. ما أقصده هو: أينَ ذاتُ الشاعر مِنْ كلِّ هذا الذي يُطلبُ منه؟! ثُمَّ أينَ الشعرُ في كلِّ هذه النصوص؟! أينَ وهجُ اللغة داخل هذه النصوص سواءً أكانتْ منظومةً أمْ منثورةً؟! هذا إلغاءٌ حقيقيّ للشعر. هنا تكمنُ المأساة، مأساةُ للحركة الشعرية ومأساةٌ للشعراء أنفسهم. أنْ يُملى عليكَ ما تكتبُ وما لاتكتب، فهذه ذروة القمع والشطب لذاتك. لذلكَ سيكون لِزامًا على الشاعر الحقيقيِّ أنْ يقبضَ على جمر إبداعهِ، وأنْ لا يتخلى عَنْ خصوصيته وفرادته كشاعرٍ أولاً، وثانيًا أنْ يُخلصَ لمشروعهِ الشعريّ بالقراءاتِ الواسعة والمتعمقةِ في الشعر والحياة. هذا جزءٌ يسيرٌ مما أقصده بتلكَ المقولة في سؤالك.

– قصائدك في الديوان تراوحت بين الشعر الحر والشعر الموزون.أيهما الأقربُ إليك ؟ ولماذا؟

أزعمُ أنني أكتبُ نصوصي بحريةٍ وفرادةٍ لا هوادة فيهما.وتبعاً لذلكَ فالاختيارُ بين النوع الموزونِ بشكلَيْهِ العموديّ والتفعيلة أو النوع النثري ليس هو الأساسُ في الحكم على قيمة النص، فنياًّ وإبداعيًّا. لكنني على الأرجح قدْ أميلُ إلى كتابة شعر النثر إنْ صحَّ التعبير؛ لما له مِنْ فضاءاتِ حريةٍ شاسعةٍ، قدْ لا توجدُ في الموزون بشقِّيه، خاصةً فيما يتعلق بالبُعدِ التخييلي.

  – لمن تكتب في قصائدك ؟ ومن هم أولئك الذين يستمعون اليك ؟

أكتبُ لأني أستمتعُ بما أكتبُ. أكتبُ إلى الإنسان في كلِّ مكانٍ، إلى نفسي، إلى الإله، إلى الكون. أمّا مَنْ يستمع لي ومَنْ لا يستمعُ؟ لا أجبرُ أحدًا على الاستماع إليَّ. فأنا حرٌّ وأريدُ للآخرينَ أنْ يكونوا أحرارًا. الشعر يحرّر على جميع المستويات، وبالمعنى العميق لهذه الكلمة.

– الاحتراق الروحي قبل كتابة أي قصيدة هي حالة وجدانية تصيب اي شاعر، متى يصاب بها الشاعر عبدالله زهير؟

لا أصابُ بحالةٍ وجدانية بعينها. أذهبُ إلى الشِعر كأني أذهب إلى مغامرةِ سَفَرٍ مجهولةِ التحديدِ. أذهبُ إليه كأني أذهبُ إلى فردوسٍ لا أعرفُ أينَ هو. فردوسٌ باذخٌ وشاسعٌ.ويساورني الشكُّ في أنه فوقَ هذه الأرض. لا أعرفُ أينَ هو بالضبط…

 

– أي القصائد هي الأقرب إلى روحك من ضمن القصائد التي كتبتها ؟

ربّما قصيدة “الخروج مِنْ مدائن القيامة”، ولكنها لم تُنشرْ حتى الآن. ولابدَّ للشاعرِ أنْ يكونَ ذا طموحٍ دائمٍ في أنْ يكتبَ قصيدةً أعلى وأعلى، وأتصورُ أنَّ القصيدة الأقرب إلى روحي لم تأتِ بعدُ. كما يعبرُ الشاعر ناظم حكمت: “أجمل القصائد، لم أكتبها بعد، وأجمل الكلمات التي وددتُ أن أقولها لك، لم أقلها بعد

– موقعك الالكتروني، ما هي الظروف التي أحاطت بتصميمه حتى وصل مرحلة التدشين ؟ ومتى تم التدشين ؟ وما هي رؤيتك المستقبلية اليه؟

منذُ فترةٍ قريبةٍ تمَّ إنشاؤُه. وهو متاحٌ للقرّاء في كلِّ مكان.وما يزال في طور التعديل والتطوير. وما يهمني الآنَ هو المادةُ الشعرية والثقافية التي سأشتغلُ عليها؛ إذْ أنَّ القرّاءَ يستحقونَ أنْ يتصفحوا موقعًا إلكترونيا شعرياً يليقُ بمكانة الشعر ودوره، مِنْ حيثُ الفرادة ُالشكلية والثراءُ الثقافيّ والمعرفيّ على حدٍّ سواء.

– هل النشر على موقعك سيمنعك من إصدار دواوين أخرى نهائيًا ؟

لا طبعًا. سأصدرُ نصوصي ضمنَ كتبٍ شعرية بالتأكيد. وستكونُ متاحةً للقرَّاء على شكل دواوين شعريةٍ ورقية وألكترونية على الموقع.

– وأخيرًا، مَنْ هو الشاعر الذي يحاولُ عبدالله زهير أنْ يسيرعلى هداه ؟

لا يوجدُ شاعرٌ أتبعهُ وأسيرُ على خُطاه أبدًا.هذه الاتباعية،في تصوري، نقيضُ الحريةِ والتفرّد الذينِ يُميزانِ الكتابةَ الشعرية. بلى، أقرأُ تجاربَ الشعراء مِنْ جميع دول العالم، خاصةً المميزينَ مُنهم. لكنني أحاولُ ألّا أقعَ في مطبِّ تقليدِ أحدٍ، أيَّا يكنْ.

 

 

 

 

 

.