متخيلًا أنني كائنٌ مِنْ هواء
أنظرُ إلى شجرةٍ وريقةٍ في الطريقِ
-وكانت الأشجارُ كلُّها على وشكِ أنْ تتعرّى مِنْ شدّةِ الحُزنِ-
أنظرُ إلى سنديانةٍ عجوزٍ
كأني بها تحاولُ أنْ تبتسمَ
ابتسامةً غيرَ مصطنعةٍ
أتأملُ مدققًا: في الأسفلتِ الذي يحاصرُها،
في معداتِ الحفرِ وهندسةِ الشوراعِ
حواليها واقفةً كالحرسِ المتناوبِ
وأحدّقُ فَزِعًا
إلى الفراغِ الذي يتثاقلُ في مشيته
حوالي الشجرةِ ذاتِ الأغصانِ المرتعشةِ
إلى البشر المتجولينِ في كلِّ مكانٍ
إلى الكائناتِ الحجريّةِ المتناثرةِ في كلِّ الساحاتِ
وأرسلُ مرةً أخرى نظراتٍ عميقةً
إلى الوجوهِ التي تكادُ أنْ تتيبسَ تقاسيمُها
في هذه المدنِ الملكوتيةِ العائمةِ
وسطَ سماءٍ منَ الضجرِ الأبديِّ
أحدّقُ كأيِّ فوتوغرافيٍّ خائبٍ
إلى الشجرةِ التي تحاولُ أنْ تبتسمَ
لكنَّ الرياحَ تنزعُ أوراقَها رويدًا رويدًا
لتصبحَ كأنها تتوارى كالأشجارِ الأخرياتِ
وأظلّ أنا أحدّقُ وحيدًا
إلى المنازل الفارغةِ مِنْ سكّانها في الضواحي
-وإنْ بدتْ مأهولةً-
وأظلُّ أنظرُ إلى طشاشِ المطرِ
وهو يتساقطُ فوقَ رأسي…
كمثلِ غريبةٍ ترتمي على كتفيْ غريبٍ
تظلُّ هناكَ حقيبتي مرتميةً
متدفأةً تعانقُ أيسرَ الصدرِ
وأرسلُ مرةً أخرى نظراتٍ عميقةً
إلى وجوهٍ تكاد تكونُ خاليةً منْ أعينها
متخيلًا أنني كائنٌ مِنْ هواءٍ
أو ملاكٌ عصيٌّ على أنْ يشعرَ بيَ الآخرون…