ممدوح عدوان.. تعال معا نرسم ” تلويحة الأيدي المتعبة “

Baseem 05
حمد الحضرمي:
نشرت المقالة في صحيفة إيلاف ،GMT 23:00 2004 الثلائاء 21 ديسمبر
ممدوح عدوان.. تعال معا نرسمُ (تلويحة الأيدي المتعبة)، تعال نكتبُ بحبر البهاءِ قصائدنا، ثم نتركها للزمان، يقتاتُ من حبرها الأنيق، أو يشعلهُ مصباحا يضيء به دهاليزه، الحياة قصيرة يا ممدوح، كيف ترحلُ سريعا دون وداع؟.. كيف تترك الساحة وأنت الذي يبدو أكثر ألقا وقهرا للموت، كما قهرت أعداءك في روايتك الشيقة (أعدائي)، أعداء الكلمة والكتابة، أعداء الحرف الذين يظهرون في الظلام، لكن أعداءك سيحسدونك حتى بعد الموت!، محسودٌ حتى بعد الموت، لن تتركهم بخير، سوف يتضورونَ جوعا لأكل لحمِك الغض، سيقولون، ويقولون، وهاأنت تدعهم في غيهم يعمهون.
لمن تترك (تلويحة الأيدي المتعبة)، و(الظل الأخضر) و(الدماء تدق النوافذ) و(أقبل الزمن المستحيل) و(أمي تطارد قاتلها).. وأكثر من ثمانين مؤلفا؟!..
الساحة بعد موتِ المبدع تصبحُ مقفرة، وشجرة الكتابة تذبلُ، أوراقها الناعمة تتساقط في العراء، كأنما الشتاءُ داهمها، أيكون موتك في موسم الشتاء نكاية بشجرة الكتابة، أم هو الاختيار الجميل والقدر الأجمل؟.. أيكون رحيلك وأنت لا تزال في شرخ الشباب، لن يخدعني الشيبُ الذي يلوح في عارضيك ورأسك، ذلك هو غبار الزمان الذي لم يدع أحدا إلا وخضبه بحنائه الأبيض، الانسانُ والأشجارُ والكائنات، كلها تشيخ وهي في شبابها المبكر، وهذا الخبيث المخاتل المسمى بالسرطان كيف ترصدك واختارك دون سواك؟.. هذا الخبيث المخاتلُ يختار الجميلين من البشر، ويترك البشاعة تعيث في الأرض الخاويةِ على عروشها فسادا، يتركها تعيش عمرا طويلا كالملائكة..
هل تذكرُ لقاءنا السريع في (نزوى)؟.. كنت تسألني عن هذه المدينة التي أخذت مجلتنا منها اسمها، هل أصحبك الى السوق أنت وسركون بولص وأمجد ناصر؟.. تعالوا معا نسْرَحُ في براري المدينة، ونجولُ في أزقتها، سوف تستافون روائح التاريخ، هذه مدينتنا يا ممدوح، نزوى البهية، نزوى التاريخ، والمدينة العريقة، مدينة العلماء الذين تجهلهم، لم تقرأ كتابا لمؤلف عماني، ولعلك قرأت ولا أدري.
كنت أشبه بالألق وأنت توزع نكاتك وضحكاتك مع الناس، تصافح البسطاء، وتسأل هذا وذاك. قلت لي أنك وقفت عند قلعتها (الشهباء) فسرحت بصرك إلى علوها الشاهق.. (ولك من بنى هالقلعة؟.. شو هالعظمة).. هل ولجت رواقها أم اختصرت الوقت وذهبت تشرب من ماء دارس.. دارس؟.. نعم.. النهر العماني الذي يختالُ ضاحكا كربيع البحتري بين ضواحي النخيل، قلت لي أنك وقفت عنده..
* وما انطباعك عن الرحلة يا ممدوح؟
ـ مدينة نزوى من أجمل ما رأيت.. هي كما قيل لي مدينة العلماء والشعراء، لكن أين هم؟.. لم ألتق أحدا…
سوف لن تلتقي أحدا اليوم، ذلك تاريخ مضى، فنحن حين نمجد مدننا نلحق العلماء بها، لكن نزوى حقا كانت مدينة العلماء، ألم تصيخ السمع إلى الصوت القادم من تشققات الجدران؟.. قبلك أخذت (البياتي) الى حضن الشهباء أيضا، خرج البياتي بهذا الانطباع عن مدينتنا، قال لي أيضا: إن قرية (فرق) تشبه قرية السياب وسعدي يوسف، قال لي ولم أعلق على كلامه، إذ رأيتُ (فرق) ولم أرى قرية الشاعرين في العراق، ولذلك لا فرق عندي.
برحيلك يا ممدوح انطفأ سراج طالما أضاء الساحة العربية بتنوع إبداعه، كنت أكثر حضورا من غيرك في الساحة، وهاأنت تتركها سريعا كما تهجر العصافير أعشاشها، فلروحك يا ممدوح أرق تعازي المديح.

– See more at: http://elaph.com/NewsPapers/2004/12/29099.htm?sectionarchive=NewsPapers#sthash.KSBtG2zi.dpuf

 

اللوحة للفنان بسيم الريس